
إدارة تتجدد أم تتجمل؟ #قراءة_واقعية لأثر #التحديث_الإداري في #الأردن
الأستاذ #الدكتور_امجد_الفاهوم
تسعى الدولة الأردنية منذ سنوات إلى بناء منظومة تحديث إداري تتكامل مع المسارين السياسي والاقتصادي، لكن التحدي الأكبر ما يزال يكمن في ترجمة الوثائق والخطط إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن والمستثمر. فقد أُطلقت خارطة تحديث القطاع العام وربطت ببرامج تنفيذية وهيكليات متابعة، في محاولة لإعادة هيكلة المؤسسات وتحسين الخدمات وتسريع الرقمنة، غير أن الفجوة بين الاستراتيجية والتطبيق تظلّ ماثلة للعيان كلما اصطدم المواطن بإجراءات معقدة أو المستثمر بكلفة مرتفعة لممارسة الأعمال.
تؤكد التجارب العالمية أن التحدي ليس في صياغة الاستراتيجيات بل في ضمان اتساق التنفيذ ومأسسة المساءلة. ففي مراجعتها الأخيرة لحوكمة الأردن أشارت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى التقدّم في الرقمنة وإنشاء مراكز الخدمة، لكنها نبّهت إلى ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية وغياب المؤشرات الواضحة لقياس الأثر. في المقابل، يؤكد تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن تحسين الحوكمة وكفاءة الإدارة شرط أساسي لزيادة الاستثمار الأجنبي وتقليص الكلف غير الضرورية، وهو ما يضع التحديث الإداري في قلب المعادلة الاقتصادية والتنموية.
مما يستدعي الاستفادة من النظريات الحديثة في الإدارة العامة التي تقدم أدوات يمكن تكييفها مع بيئة الأردن وإمكاناته. فمنهج “التكيّف التكراري الموجه بالمشكلة” (PDIA) يركز على البدء بمشكلات محددة وتجريب حلول صغيرة قابلة للقياس ثم التوسع بما ينجح، وهو أسلوب ملائم لبلد يواجه قيودًا مالية ومؤسسية. أما مثلث “القيمة العامة” الذي طوّره مارك مور فيساعد صانع القرار على غربلة المبادرات بحيث تحقق منفعة للمواطن وتحظى بشرعية سياسية وتستند إلى قدرة تشغيلية واقعية. كذلك فإن الإدارة بالنتائج (RBM) تمكّن من ربط الإنفاق بمخرجات قابلة للقياس، فيما يضمن منطق “الحكومة المنسّقة” أن لا تضيع الجهود بين الوزارات والهيئات.
ولكي يتحقق الأثر الملموس، يحتاج الأردن إلى التركيز على حزم خدمات تمس حياة الناس مثل تأسيس الشركات الصغيرة أو الحصول على تراخيص البناء أو تصدير المنتجات، بحيث تصمم هذه الخدمات حول “أحداث حياة المواطن” لا حول الهياكل الوزارية. فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من التجربة التشيلية في منصة ChileAtiende أو التجربة الرواندية في منصة Irembo تواللتان تقدمان أمثلة حية على الكيفية التي يمكن من خلالها تبسيط رحلة المواطن عبر واجهة موحدة رقمية وورقية. كما أن تجربة جورجيا في “صالات الخدمة العامة” برهنت أن الواجهة الواحدة تفرض على المؤسسات الخلفية التنسيق القسري وتمنح المواطن وقتًا أقل وكلفة أقل.
وعلى الرغم بأن التجربة الأردنية ما زالت في منتصف الطريق، فقد حققت نسبة جيدة في رقمنة الخدمات لكنها تحتاج إلى قفزة نوعية في مؤشرات زمن الإنجاز والتكلفة والشفافية. وانا على ثقة بان مكتب ادارة وتنفيذ المشاريع (PMIO) ووحدة تنفيذ المبادرات (PMDU) في رئاسة الوزراء يمكنها تحقيق بعض الأهداف المنشودة الا ان المطلوب هودعم عملها ونيسير اجراءاتها وزيادة تفعيل وحدات المتابعة والتسليم فيها لتكون المرجع الأعلى لقياس الأداء وإغلاق أي مبادرة لا تحقق أثرًا بعد دورتين تجريبيتين. المطلوب أيضًا هو الانفتاح على الشراكات مع القطاع الخاص في مجالات الطاقة والنقل واللوجستيات، وتوسيع مبدأ البيانات المفتوحة في مؤشرات الأداء والخدمات حتى يشعر المواطن والمستثمر أن الجهاز الحكومي يدار بعقلية النتائج لا بعقلية الإجراءات.
ومن باب الحكمة أن ندرك بان الأردن يملك اليوم فرصة تنفيذية حقيقية، فالإرادة السياسية واضحة، والدعم الدولي متوافر، والبنية الرقمية في تقدم. ما ينقص هو التحول من لغة الاستراتيجيات إلى ثقافة التنفيذ المحكوم بالبيانات والتجريب والنتائج. عندها فقط ستضيق الفجوة بين الخطط والواقع، وسيتحول التحديث الإداري من شعارات إلى خدمات أسرع، واستثمارات أكبر، وثقة عامة أعلى.
0795743175