” إحباط … أم تحايل ” ..؟ / م.أنس معابرة.

قد يحتاج المرء الى المراوغة في حياته أحياناً، وقد يحتاج الى تعلم أساليب التحايل من أجل مواجهة صعوبات الحياة، وقد تكون تلك الأساليب ضرورية أحياناً من أجل البقاء والصمود. ولكن المشكلة هي أن تصبح أساليب التحايل تلك هي الوسيلة التي يعتاش عليها الإنسان، فتصبح عمليات النصب والإحتيال طريقة يشق بها طريقه، ويكسب منها قوته، وينشئ عليها الأجيال التي بين يديه.

أما مجتمعاتنا العربية المكلومة، فلقد رفعت التحايل شعاراً، وإتخذته منهجاً واضحاً، حتى إن كان بالإمكان إنجاز الأمر بطريقته الطبيعية؛ فيكون من الأجمل ان يتم إنهاءه بواحدة من أبرز طرق التحايل وأشهرها.

في العمل يحتاج الموظف الى التحايل من أجل التهرب من ساعات العمل للجلوس في منزله أو لقضاء الحوائج والمصالح، وفي الدين يخلق لنفسه أو لغيره الكثير من الأعذار الواهية لتبرير تقصيره وتجاهله لتعاليم دينه، وفي الإجتماعيات يبرر غيابه عن أفراح غيره وأتراحهم بأعذار واهية يعلم في قرارة نفسه أنها كاذبة.

المشكلة أننا بتنا نستعمل أسلوب التحايل نفسه مع أنفسنا، فالكثير منا يقنع نفسه بأسباب تافهة نتج عنها تقصيرة في مسيرته التعليمية ومن ثم يحاول أن يقنع بها من حوله، والبعض الآخر قد يُرجع أسباب تردي أوضاعه الإقتصادية الى الظروف الإقتصادية التي تمر بها المنطقة والأزمة المالية العالمية وهو نفسه الملام الوحيد على ما جنته يديه من ضعف إدارة الموارد وسوء إستغلالها، والإسراف والتباهي بالنفقات.

مقالات ذات صلة

وإتسع نطاق أستخدامنا لهذه الأساليب، فأصبح على مستوى الأمة برمتها، فالكثير منا يتبادلون اليوم الجمل ذاتها، “لا خير في الأمة العربية”، “نحن أمة جاهلة”، “سيبقى التخلف والرجعية هو عنوان هذه الأمة”، “الأجانب أفضل في كل المجالات”، “أخلاقهم أفضل من أخلاقنا، وإقتصادهم أقوى، وتمسكهم بدينهم أصلب”، وغيرها الكثير من جمل الإحباط والتحايل على النفس.

والغريب في الموضوع أن الشخص ذاته الذي أقدم على نعي هذه الأمة أمام الأجيال الناشئة، هو نفسه الذي سيلقي اللوم عليهم في قادم الأيام، وينسب لهم كافة أشكال الفشل والتراجع والإخفاق التي حلت بالأمة، ولا يدري بأنه هو الذي زرع بذور التخلف فيهم منذ البداية، وقتل فيهم روح التغيير التي تتحرك بين جنباتهم، ودمر فيهم تلك المعنويات التس تشتعل حماساً بداخلهم.

وهي الزمرة ذاتها التي تحاول إيجاد “شماعات” للأعذار، فإسرائيل هي سبب تخلفه عند دراسته، وهي سبب فقره، وهي وراء إنخفاض سعر أرضه، وهي من ينظم التعداد السكاني الحالي، وهي التي سمحت لمياه الأمطار بإغراق الشوارع والبيوت، وإيران هي رفعت أسعار المياه، والبنك الدولي هو من رفع أسعار الكهرباء، ويخطط لرفع المحروقات، ولو حدث أن تساقط شعره لا أستبعد أن ينسب التهمة الى كوريا الشمالية.

وهو الشخص ذاته الذي يلوم العاطلين عن العمل على جلوسهم ويدعوهم الى ضرورة البحث عن عمل، وبعد أن يعملوا في وظيفة ما؛ يكيل اليهم النقد على إختيارهم لتلك الوظيفة والتي سيختلق بها الكثير من العيوب، وبعد ذلك سيتجاوز هذا الموضوع الى توجيه النقد الى أعمالهم وإنجازتهم ومحاولة تمحيصها وكشف عيوبها، وإذا لم يجد فيها عيوباً تذكر؛ إختلق بعضها.

لقد وجدت بعد تجربة واقعية أن أحوج ما يكون اليه الإنسان في يومنا هذا هو “سدادات للأذن”، والتي تقف حائلاً أمام الكم الهائل من جمل الإحباط التي تنتشر بين الناس، وتمنع تسلل تلك الجمل والعبارات الى الدماغ من أجل تحليلها، وتحويل البرامج والخطط الى أنقاض. وهل لي أن أنسى ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي يتضمن شخصاً يحاول بناء مسجد لوحده، وبدأ الناس بتبادل الأقول بأنه لن يستطيع فعل ذلك، وإستمر الشخص بالعمل حتى أتمه على أكمل وجه، وفي النهاية يكتشف الجميع بأنه أصم، وهو السبب الرئيس لنجاحه في مهمته.

الخلاصة أننا نعيش اليوم في حالة فيروزية غير معروفة الملامح، فلا أحد يتكلم عن الفاشل لانه لا يملك ما يستحق الحديث عنه، والجميع يحاول البحث عن الإخفاقات في حياة الناجح، نتكلم عن النجاح ولا نحاول التحرك من أجل الوصول اليه، وننقد الجهل ونحن نتربع على عرشه.

والأولى لنا في هذه المرحلة، أن يمسك كل شخص بلسانه، ثم يضع امامه مرآة صغيرة، ويبدأ بنقد نفسه وكشف عيوبها، ثم يجلس جلسة مصارحة مع نفسه. وقد يكون هذا الفعل هو الأفضل له ولمن حوله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى