إربد تعيش “النصر”…الاختبار الأول ضدّ “داعش” هل يكون الأخير؟

سواليف

اصطف ثلاثة أطفال أمام المدخل الخلفي للمنزل، الذي كان مسرحاً للمواجهة العنيفة التي عاشتها مدينة إربد ليلة الثلاثاء ــ الأربعاء الماضية، بين قوات الأمن وخلية إرهابية ترتبط بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فيما راح والدهم يلتقط الصور لأطفاله الذين رفعوا علامة النصر.

“الحمد لله.. انتصرنا”، يقول ببهجة الرجل الأربعيني الذي حضر عصر الجمعة الماضية لزيارة المكان، الذي يعتقد سكان من الحي أنه سيتحول إلى مزار لكثرة الزيارات التي شهدها منذ نهاية الأحداث، ولم تقتصر على سكان المدينة. اعتقاد عبر عنه بسعادة واضحة أحد شبان الحي المهمش بقوله: “كنا حارة نسيها الزمن، وهسا (الآن) راح نصير أشهر من قلعة عجلون الأثرية”.

يقع المنزل أعلاه في شارع حكمة، في الوسط التجاري للمدينة، أو ما يصطلح عليه “إربد القديمة”، حيث تتركز ورش الحرف اليدوية، كالحدادين والنجارين. وهي حرف يعمل فيها غالبية السكان الذين يشتكون ندرة فرص العمل. ويتوسط المنزل، الممتد على شارعين وصمم ليكون له أكثر من مدخل ومخرج، منطقة ينتشر فيها البناء العشوائي، وعند أطرافها يقع مسجد أبو بكر، المعروف بأنه نقطة التقاء لأعضاء التيار السلفي الجهادي. وداخل هذا المسجد كان يحرص أفراد الخلية على أداء الصلاة، كما يؤكد السكان. وعلى بعد كيلومترين اثنين فقط من المنزل، تقع منطقة جنينا ومخيم اللاجئين الفلسطينيين الأكثر تهمشاً وعشوائية، والذي ينتمي إليهما أفراد من الخلية الإرهابية.

مشاعر “النصر” عمت الأهالي، حين تمكنت قوات الأمن من قتل الخلية المكونة من سبعة إرهابيين بعد مواجهة مسلحة استمرت أكثر من عشر ساعات، انتهت بتفكيك مخطط لتنظيم “داعش” كان يهدف إلى الاعتداء على مدنيين وعسكريين داخل المملكة وزعزعة الأمن الوطني، بحسب ما أعلنت دائرة الاستخبارات، فيما خرج سكان المدنية بمواكب سيارات ليحتفلوا “بالنصر”، رافعين أعلام الأردن وصور الملك عبدالله وشعار المخابرات.

الهدوء الذي كانت تعيشه ثالث أكبر مدن المملكة الواقعة على بعد (80 كيلومتراً شمال عمّان)، على مقربة من الحدود السورية، خلال احتفالاتها عصر الجمعة “بالنصر”، والهدوء الحذر الذي كان يسيطر على شارع حكمة المزدحم بالزوار، قطعته أصوات سيارات قوات الأمن التي هرعت فجأة إلى مكان قريب من مسرح المواجهات، وفرضت طوقاً أمنياً قبل أن يداهم أفرادها منزلاً ويعتقلوا شاباً عشرينياً اقتادوه لاشتباههم في علاقته مع أفراد الخلية الإرهابية، كما قالت مصادر أمنية. لكن السكان المحليين قالوا إن مشكلة الشاب المتزوج منذ خمسة أشهر فقط أنه يقيم في بيت مستأجر مجاور للبيت الذي كانت تتحصن فيه الخلية الإرهابية.

المداهمة الخاطفة أثارت الذعر في قلوب سكان الحي مخافة أن تتجدد المواجهات، كما قطعت على المحتفلين فرحتهم مؤقتاً، والتي عادت إليهم بعد انتهاء المداهمة. غير أن هذه المداهمة أثارت غضب أصحاب المحلات التجارية القريبة، والذين رأوا في استمرار المداهمات “قطعاً لأرزاقهم” خصوصاً بعدما أصبح الناس يخافون الحضور إلى المنطقة للتسوق، فيما رأى رجل مسن من سكان الحي بعد انتهاء المداهمة باعتقال شخص واحد، أن العملية غير مبررة، وقال بصوت مرتفع موجهاً كلامه لأفراد القوة الأمنية “إحنا مش راح نخلص.. كان ممكن تيجي قوة بلباس مدني وتعتقل الشاب بكل هدوء”.

لم يرق كلام المسن للعديد ممن كانوا يتابعون المداهمة، تماماً كما لم ترق مواقف الأقلية التي انتقدت عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، توزيع أجهزة الأمن صوراً لأفراد الخلية الإرهابية بعد مقتلهم وتفحم جثث بعضهم، فيما احتفل غالبية الأردنيين الناشطين على هذه المواقع بصور الجثث كدليل على قوة الأجهزة الأمنية ورفضهم المساس بأمنهم الوطني.

توالي المداهمات الأمنية طرح لدى السكان تساؤلات حول ما إذا كانت مداهمة ليلة الثلاثاء/الأربعاء نهاية العملية أو بدايتها، خصوصاً في ظل معرفتهم بوجود أعداد كبير من السلفيين الجهاديين في مدينتهم.

وتمكن فريق الطب الشرعي الأردني من تحديد هوية أفراد الخلية الإرهابية، خصوصاً الأفراد الخمسة الذين تفحمت جثثهم، بعد أخذ عينات من البصمة الوراثية ومطابقتها مع البصمة الوراثية لأقاربهم من الدرجة الأولى. غير أن أفراد الخلية، التي وقع ذووها على تعهد لدى الحاكم الإداري بدفنهم دون الصلاة عليهم في المسجد أو المناداة عليهم وعدم فتح بيت عزاء أو تقبل العزاء، لم يدفنوا حتى الآن، نتيجة رفض أهالي المدينة دفنهم في مقابرها.

رفض رأت فيه الغالبية الشعبية أنه دليل على “رفض أهالي إربد لاحتضان الإرهابيين أحياءً كانوا أم أمواتاً”، فيما اعتبرته أقلية هوجمت على مواقفها “عقاباً للأهل وليس لأفراد الخلية الإرهابية”، خصوصاً بعد قيام وسائل إعلام أردنية بنشر صور التعهدات التي وقع عليها ذوو أفراد الخلية والمثبت عليها الأسماء الرباعية لهم، مما يعرضهم لأعمال انتقامية أو يجعلهم فريسة لوصمهم بالإرهاب.

ووفقاً لمقربين من عائلات أفراد الخلية الإرهابية، فإن إفرادها يمتلكون تاريخاً طويلاً نسبياً في انتمائهم إلى التيار السلفي الجهادي، وبينهم من سبق أن اعتقلته الأجهزة الأمنية مرات عدة على خلفية انتماءاته السلفية، فيما لا يزال شقيق أحد أفراد الخلية معتقلاً حتى الآن، كما أن شقيق أحد أفرادها التحق بتنظيم (داعش) في سورية منذ أكثر من عام.

أحداث إربد التي مثلت أول ظهور علني مسلح لتنظيم (داعش) في الأردن، بعدما وضع التنظيم المملكة في يونيو/ حزيران من عام 2014 على خريطة “دولته” المستقبلية، ستشكل نقطة تحول في التعامل مع المتعاطفين مع التنظيم والمروجين له، والذين تجرأ بعضهم في مارس/ آذار من عام 2014 على الخروج بمسيرة مؤيدة للتنظيم في مدينة معان الجنوبية، التي تعتبر من المعاقل القوية للتيار السلفي الجهادي في الأردن.

وسبق أحداث إربد التي تحولت إلى مواجهة مسلحة عنيفة، حملة مداهمات واعتقالات لخلايا التنظيم في الشمال بناءً على معلومات استخبارية أشهرها مداهمة “كفر جايز”، التي فصلها عن الحدث العنيف أربعة أيام، وانتهت باعتقال خلية مكونة من 13 شخصاً بينهم اثنان من جنسية عربية، كما علمت “العربي الجديد”.

لكن مصدراً أمنياً كشف لـ”العربي الجديد” عن أن المداهمة المهمة، والتي قادت إلى الكشف عن خلية إربد، حدثت في مدينة الزرقاء (20 كيلومتراً شمال شرق عمّان) قبل نحو ثلاثة أسابيع من أحداث إربد. وبحسب المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإنه “جرى اعتقال اثنين من المنتمين إلى تنظيم (داعش)، خلال مداهمة الزرقاء. وخلال التحقيق معهما، اعترفا عن خلية إربد، التي تمت مداهمتها بعد متابعة استخبارية”.

ويسكن في مدينة الزرقاء منظرون للتيار السلفي الجهادي على مستوى العالم، ومنها خرج أبو مصعب الزرقاوي، الذي يعتبره قادة (داعش) الأب الروحي لتنظيمهم. وشهدت في أبريل/ نيسان من عام 2011 اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن وعناصر التيار السلفي الجهادي، الذين اعتصموا للمطالبة بالإفراج عن معتقليهم في السجون الأردنية. وغالباً ما تتم فيها عمليات دهم واعتقال “صامتة” ضد أفراد التيار السلفي الذين يشتبه في انتمائهم إلى (داعش). ويقول المصدر الأمني نفسه “العين الآن على الزرقاء”، مؤكداً أن ما حدث في إربد لن يكون آخر مواجهة بين قوات الأمن والتنظيم الإرهابي.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى