أيلول / هبة طوالبة

  #أيلول

#هبة_طوالبة

كانت تلك العجوز تخبرنا كل عام، مع هبوب نسائم أيلول العتيقة، أن الرياح تحمل معها أمواج الذكريات والسعادة. كانت تجلس وسطنا، عينها تتوهج بحب الشباب، وصوتها يهمس كأنها تغني لطفولة ضاعت. “في أيلول”، تقول، “تتوقف الزمن، وتعود الأرواح إلى ديارها”. كنا نجلس جميعًا نستمع إليها، وكأننا نستمع إلى حكايات جدتنا.

في قديم الزمان، وفي مدينة ساحلية صغيرة، عاش شاب جميل يدعى وطن. كان طويل القامة، عيناه تحملان لون البحر، وشعره يرقص مع نسائم الصباح. كان يقضي ساعات طويلة على الشاطئ، يكتب قصائد عن الحرية والعدالة، ويرسم لوحات تعبر عن حبه لوطنه. كانت أحلامه تمتد إلى ما هو أبعد من حدود مدينته الصغيرة، كان يحلم ببناء وطن جديد، وطن يسوده العدل والمساواة، وطن يحترم فيه الجميع.

ولكن الوطن لم يكن مجرد حلم، بل كان واقعًا مريرًا. كان يبحث عن عمل يوفر له حياة كريمة، لكنه كان يعود خالي الوفاض. في إحدى المرات، شاهد مجموعة من الناس تصفق بحرارة لمسؤول كبير، وبعد الخطاب، بدأ المسؤول بتوزيع المال على الحاضرين. هلم الوطن عليهم، طلب منهم العمل لديه، لكن صوته ضاع في زحام التصفيق. شعر بالإحباط، لكنه قرر أن يكون جزءًا من هذا المشهد، فبدأ يصفق هو الآخر، وكأنه يؤيد ما لا يؤمن به.

مع مرور الوقت، بدأ الوطن يشعر بالاختناق. كان يعيش في تناقض كبير بين أحلامه وبين الواقع المرير. في إحدى الليالي، جلس على الشاطئ ينظر إلى النجوم، وتذكر كلمات العجوز عن أيلول والذكريات. شعر بحزن عميق، وكأنه خسر جزءًا من نفسه.

وفي إحدى الخطابات، ومن شدة لوعة الكذب، عادت حاسة السمع إلى الوطن. صرخ بصوت عالٍ: “يكذبون! يخطئون!”، فصمت الجميع، وتوجهت كل الأنظار إليه. في تلك اللحظة،  قالها يخيطون من جراح الوطن مناصبهم..

ولكن ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى