أهميّة الهدف في الحياة

أهميّة #الهدف في #الحياة/ ماجد دودين

يخرج الإنسان من رحم غامض إلى رحم الحياة الأكثر غموضا… يشرع الزمـن يستهلكه… يختلس ثواني حياته وساعاتها والأيام…ويوما ما يقال له: لم لا تحتفل بميلادك؟!…لم لا تطفئ الشموع؟!

يصدِّق الناس ويبدأ يطفئ الشموع تباعا شمعه تلو شمعه وهو لا يدري أنه في واقع الأمر إنما يطفئ سنوات العمر ويقترب من النهاية… يقترب من الأجل المحتوم…

يقترب من الموت…

تذكرت قصة حكاها لي جدّي يوم كنت فتى يافعا… عاد الصوت صوت جدي المتهدج المتقطع من البعيد:

” يحكى أن حاكما قال لوزيره: أريدك أن تأتيني بإجابة عن ثلاثة أسئلة وإلا تفعل كان الموت مصيرك!!

ما أحق الحق؟!
ما أبطل الباطل؟!
ما أعز شيء على الإنسان؟!"…

تحرك الوزير على الفور… يجوب شوارع الحياة ينقّب عن إجابات… ولكنه لم يجد أحداً يجيبه… بدأ اليأس يتسرب إلى نفسه ويزحف إلى عالمه كالبركان الملتهب… وأخيرا وبعد طول عناء وجد الوزير شيخا طاعنا في السن عرك الحياة وصنعته التجربة قال للوزير: أنا أستطيع أن أجيبك عن هذه الأسئلة:

إن أحق الحق هو الموت… باب دخل منه ملايين الناس وكأس يذوقه كل الناس ولا مناص منه… وإن أبطل الباطل الحياة… الحياة بيت خرج منه ملايين الناس وسيخرج منه كل الناس ولا مناص إذ لا خلود فيها… أما أعز شيء على الإنسان فسؤال يجب أن تدفع ثمنه غاليا لكي تحصل على الإجابة ويكفيك ما حصلت عليه من إجابات مجانية عن السؤالين الأول والثاني….

قال الوزير: سيدي الشيخ أطلب ما تريد من مال…

قال الشيخ: لا حاجة بي إلى أموالك ولكن أريدك أن تقوم بتكسير تلك الصخرة العظيمة بمفردك!

قال الوزير: أتريدني أنا أن أفعل ذلك؟

قال الشيخ: بلى، وإن لم تفعل فلن تحصل على جواب!!

وبعد تردد لم يطل طأطأ الوزير رأسه وخضع لإرادة الشيخ الحكيم… وعاد والعرق يتصبب من كل خلية من جسده لكي يسمع الإجابة التي دفع ثمنها غالياً…

“إن أعز شيء على الإنسان هو الهدف الذي يعيش من أجله”… لقد كان هدف الوزير أن يبقى حيا ولذلك فعل ما فعل…

ترى… هل وضعنا لحياتنا أهدافا سامية أم أننا ندب هكذا على الأرض ونسير دون هدف؟!

إن أحد أهدافي في الحياة أن أرسم البسمة على شفاه الناس كل الناس… وأن أكون كنحلة تطير تنتقل من زهرة إلى زهرة… أوزع الابتسامات… وأخفف عما أَلَمَّ بالناس في العالم من أَلَمْ … وأزرع الأمل.

(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ (19) مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) سورة الشورى.

الهَدَفُ الذي مِنْ أَجْلِه خُلِقْنَا يجب أنْ لا يغيب عن بالنا وأن يكون دائما في مخيّلتنا وأن يكون واضحا لنا في حياتنا…لأن هذا الهدف هو الفصل في جميع أقوالنا وأفعالنا…هو الضابط للأقوال والأفعال والمواقف… هو الضابط للحب والبغض… هو الضابط لطعامنا وشرابنا وجميع شؤون حياتنا.

أَمَّا إِذَا ضَاعَ الهَدَفُ، وَلَمْ يَتَّضِحْ فَصَاحِبُهُ ضَائِعٌ مُتَخَبِّطٌ، تَرَاهُ في هُمُومٍ وَأَحْزَانٍ، وَتَرَاهُ في شَقَاءٍ، لَا يَدْرِي مَنْ يُرْضِي، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَّجِهُ، وَلَا يَدْرِي الطَّرِيقَ الذي سَيَسْلُكُهُ، فَهُوَ مُتَخَبِّطٌ وَمُتَقَلِّبٌ وَمُتَرَدِّد وَفِي حَيْرَةٍ.

مَا هُوَ هَدَفُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؟:

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هُوَ هَدَفُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَأَنْ نَعْرِفَ الغَايَةَ التي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهَا.

إِنَّ الغَايَةَ مِنْ خَلْقِنَا، وَالهَدَفَ الذي يَجِبُ أَنْ نَصِلَ إِلَيْهِ، هُوَ تحقيق ِالعُبُودِيَّةِ للهِ تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ﴾. لِنَفُوزَ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ.

لَيْسَتِ الغَايَةُ مِنْ خَلْقِنَا، وَالهَدَفُ الذي يَجِبُ أَنْ نَصِلَ إِلَيْهِ هُوَ عَرَضٌ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ هَدَفُهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ خِلَالِ الدِّينِ الحَنِيفِ أَنْ يَصِلَ إلى مَالٍ أَو جَاهٍ أَو مُلْكٍ، فَهَذِهِ قُرَيْشٌ عَرَضَتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الأُمُورَ، قالوا له: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالَاً جَمَعْنَا لَكَ من أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالَاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفَاً سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرَاً دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتُ تُرِيدُ بِهِ مُلْكَاً مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا. لَقَدْ رَفَضَ ذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ الرَّفْضِ.

وَقَالَ لِعَمِّهِ: يَا عَمِّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ.

لَقَدْ عَرَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الغَايَةَ مِنْ خَلْقِهِ، وَعَرَفَ الهَدَفَ الذي يَصْبُو إِلَيْهِ، فَسَعَى إِلَيْهِ بِكُلِّ قوّته وفِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ تَجَلَّى ذَلِكَ في دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلا أُبَالِي».

الذي عَرَفَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾. يَسِيرُ سَيْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَطْلُبُ دُنْيَا بِاسْمِ الإِسْلَامِ، وَلَا يَطْلُبُ مَالَاً بِاسْمِ الإِسْلَامِ، وَلَا يَطْلُبُ جَاهَاً بِاسْمِ الإِسْلَامِ، وَلَا يَطْلُبُ نِسَاءً بِاسْمِ الإِسْلَامِ، بَلْ يَطْلُبُ مَرضَاةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ هَدَفَهُ الحَقِيقِيَّ هُوَ أَنْ يَصِلَ إلى مَرْضَاةِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى، لِيَنَالَ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَكَذَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ، وَهَكَذَا كَانَتْ أُمْنيَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، روى الإمام مسلم عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ».

فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ».

قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.

قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

الدُّنْيَا لَيْسَتْ دَارَ مَقَرٍّ لَنَا، المَقَرُّ الحَقِيقِيُّ هُوَ في الدَّارِ الآخِرَةِ ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾. خُلُودٌ لِكُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ «يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ»

وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. لِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى