
أهلا سمو الأمير…
د. خالد حسنين
زيارة #أمير_قطر للأردن لا أظنها زيارة بروتوكولية، ولا بهدف شكر #الأردن الذي كان الأعلى صوتا، والأوضح موقفا من الهجوم الغادر للكيان النازي على قطر، بل أعتقد أن الزيارة تأتي في سياق استراتيجي وعميق، وسيكون له ما بعده.
دول مجلس التعاون الخليجي في العموم كانت تعاني من هاجس “الخطر الإيراني”، كما ان السلوك الإيراني خلال السنوات الأخيرة لم يكن سلوكا مطمئنا لتلك الدول، بالرغم من وجود العديد من المعاهدات واتفاقيات حسن الجوار بين ايران وغير بلد خليجي، إلا أن النفوذ الإيراني المتمدد في العراق واليمن، وسابقا في لبنان وسوريا، زاد من منسوب القلق لدى دول المجلس، مما دفعها إلى توطيد العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة عبر استثمار مئات المليارات في الاقتصاد الأميركي، وخصوصا في عهدي ترامب: الأول والثاني، وذلك كي تكون في مأمن من الخطر الإيراني غير المستبعد، واستتباعا لهذا التحالف الإجباري كان لا بد من تطبيع العلاقات مع الكيان النازي (قبل أحداث السابع من اكتوبر بكثير) استجابة للتوصيات الأميركية في هذا الصدد.
كانت الإمارات هي الدولة العربية الأكثر اندفاعا في العلاقة مع الكيان، وكذلك البحرين، ولعل السبب المباشر لهذا الاندفاع يكمن في أن ايران تحتل جزرا إماراتية ثلاث، والخطر بالنسبة للإماراتيين ملموس وممارس على الأرض، وربما يكون خيار التحالف مع “اسرائيل” وهي القاعدة المتقدمة لأميركا هو الخيار الرادع لإيران من الإقدام على أي تهديد محتمل.
السعودية بسياساتها المحافظة لم تقدم على الخطوة الإماراتية، لأنها تشعر أن التهديد الإيراني أقل تأثيرا، كما ساهمت الاتفاقية الإيرانية السعودية قبل سنوات (برعاية صينية) إلى تخفيف حدة الخلاف بين البلدين، وإطفاء جذوة الحرب المنهكة مع الحوثيين، ولكن ثقل السعودية ووزنها السياسي، فضلا عن طموحاتها نحو أدوار مستقبلية في الإقليم، وبخاصة في عهد الأمير محمد بن سلمان، كل ذلك دفعها إلى التأخر خطوة إلى الوراء بشأن العلاقات مع الكيان النازي.
وجاءت أحداث السابع من اكتوبر، وصمود الشعب الفلسطيني لمدة عامين بما يشبه المعجزة غير المتوقعة، فضلا عن توحش دولة الكيان وممارسة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بصورة لم تعد مقبولة لدى الجميع، كل ذلك أحدث تغييرا في اصطفافات الدول العربية، والخليجية بخاصة، وجاءت عملية الهجوم الغادر على قطر لتدفع الجميع للتفكير بسيناريوهات مختلفة عن الواقع الوردي الذي سبق السابع من اكتوبر.
ويبدو لي أن القطريين سيعيدون بناء تحالفاتهم الاستراتيجية بشكل يعزز من وجودهم في المنطقة، لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، ولعل الأردن يمثل واحدة من الدول التي تؤشر على بداية التغيير في السياسة القطرية، على الرغم من أن الأردن يصنف على أنه أقرب إلى تحالفات خليجية أخرى، إلا أن تصريحات المسؤولين الأردنيين في سياق زيارة أمير قطر اليوم أظهرت تعاطيا إيجابيا مع تغييرات قادمة ستسهم ربما بشكل أفضل في مواجهة مخططات التهجير الذي بات ثابتا في أجندة الكيان.
صحيح أن نتائج قمة الدوحة كانت أقل من عادية، وبيانها الختامي يميل إلى الإنشاء، ويحيل عشرات الملفات والقضايا إلى المجهول، إلا أن الدبلوماسية القطرية قبل القمة وأثناءها وبعدها كانت تشي بشيء مختلف، وأظن أن على الجميع أخذ التصريحات القطرية حول الإصرار على أن يدفع الكيان ثمنا باهظا للعملية الغادرة التي قام بها لن تكون تصريحات للاستهلاك الاعلامي، وإنما سيعقبها خطوات عملية خلال الشهور القادمة.
أتوقع أن يكون للأمير القطري زيارات قريبة لدول عربية محورية مثل مصر والسعودية، وربما الجزائر، من أجل تنسيق آليات الرد على خطط الكيان، ومحاولة بناء تحالف عربي إسلامي بتوافقات الحد الأدنى من أجل نجاح هذا المسعى.