أهدرتم الثقة فلا تتوقعوا الاحترام
أ. د أحمد العجلوني
جاءت أزمة الكورونا هبة من السماء للحكومة الحالية وفرصة لترميم العلاقة الهشة بينها وبين الشعب، خاصة وأن تفاؤل الكثيرين بشخصية الدكتور الرزار قد تلاشى مع سطوع شمس الواقع المر من فساد متجذر وهزال التشكيلة الحكومية وضعف شخصية رئيس الوزراء أمام الدولة العميقة. هذا وقد أشاد الكثيرون بداية الأزمة بالإجراءات الحكومة رغم قساوتها، وتعاون المواطنون معها بشكل غير مسبوق يدفعهم ما بدا لهم من إدارة جيدة للحظر إضافة إلى الخوف مما تخبئه لهم هذه الأزمة.
إلا أن الحكومة ما لبثت أن نقضت غزلها بسلسلة من الأخطاء الجسيمة وضعف الإدارة لملف الأزمة خصوصاً ولكثير من قضايا البلد عموماً، وساد اعتقاد على نطاق واسع بأن الحكومة تستغل هذه الأزمة لابتزاز الشعب مادياً وسياسياً. وقد انعكس ذلك كله على ثقة الناس واحترامهم للحكومة وإجراءاتها في الموجة الثانية من الكورونا، وأنقل عن الأكاديمي والخبير الاجتماعي أ.د حسين محادين في تصريحات حديثة إذ إنه يلخص الوضع بقوله:”نلاحظ أن التمرد على القرارات الحكومية بما فيها الحظر هنا أو هناك وارتفاع أرقام الذين يخالفون النظام العام وفقًا لقانون الدفاع هي تحديات فكرية وتربوية سياسية بحاجة إلى انتباه”. كما يحذر الدكتور المحادين “من أنه عندما يتمرد بعض الناس على النظام العام وقانون الدفاع ويقبلوا أن يدفعوا الغرامات المستحقة في القانون، فهذا يعني أنّهم غير مطمئنين لمبررات اتخاذ بعض الإجراءات”.
من أبرز الشواهد على فقدان الثقة بالحكومة وعدم احترام ما يصدر عنها ما يتعلق بإجراءات الحجر من حيث عدم اقتناع الناس بمنطقيتها وجدواها والعدالة في تطبيقها؛ وعدم قدرة الحكومة على تبريرها أمام شعب مثقف واع. كما أن ما حدث من تقصير وإهمال في المعابر الحدودية قبل أسبوعين وقبله منذ شهرين مع السائقين وعدم التعامل معه بحزم من حينها، وكذلك استقبال مواطنين غير أردنيين خارج إطار التعليمات الصارمة التي تفرض على الأردنيين. وفوق ذلك اختلاق أزمة المغتربين وكيف أغلق الوطن أمام أبنائه وفتحت مصاريع أبوابه أمام كل غريب، في سابقة تاريخية ستبقى لطخة سوداء في سجل هذه الحكومة وفي التاريخ السياسي في تعامل حكومة مع أبناء الوطن! كل هذه وغيرها الكثير زادت من شعبية وجهة النظر التي ترى أن أزمة الكورونا مفتعلة وذات أهداف ومرام لا علاقة لها بالخوف على صحة الناس.
يضاف إلى الأسباب المباشرة في عدم احترام الحكومة وقراراتها أسباباً أخرى تتعلق بإدارة البلد منها على سبيل المثال لا الحصر ما يتعلق بالملف الاقتصادي، حيث دأبت هذه الحكومة إلى تغطية الفشل في إدارة الاقتصاد بالـ”فهلوة” والتذاكي والتلاعب بالبيانات والحقائق الاقتصادية كما تم في إعادة احتساب قروض الضمان الاجتماعي وتركّز القروض الحكومية في محفظة الضمان (سرقة بشكل قانوني!). كما أن الانتهاكات الصارخة غير المسبوقة لحقوق الإنسان وإهدار كرامته قد زادت الطين بلة في فشل هذه الحكومة في إدارة البلد وجدارتها في تحمل المسؤولية؛ كما حدث مع المعلمين ونقابتهم من إجراءات وما تلاها، وتزايد حالات تكميم الأفواه بحيث لا يسمع إلا صدى صوت الحكومة؛ وكان آخر هذه الإجراءات اعتقال رسام الكاريكاتير العالمي عماد حجاج.
كما برزت ثآليل الأداء الحكومي على وجه الوطن من خلال العبث بنتائج الثانوية العامة بشكل لم يسبق قبلاً. وتجرؤ وزارة التربية على القيم الوطنية وانتهاك أسس فلسفة التربية والتعليم بتبنيها خطابات إعلامية ومواد إعلامية غاية في الإسفاف على نهج الإعلام المبتذل في حربها على المعلمين. ومع ذلك وقبله تفشي الفساد واتساع رقعته؛ سواء من قبل الحكومة نفسها كما يحصل في التعيينات في المناصب الحكومية الرفيعة أو فشلها في محاربة الفساد الاقتصادي كما رأينا في حوادث الشاورما حيث تم “لملمة الطابق” لصالح متنفذين من المتحكمين في قطاع الدواجن.
حذرنا سابقاً من أن إهدار الثقة وتفاقم سطوة مؤسسة الإفساد سيؤدي إلى ضياع هيبة الدولة كما حصل في لبنان، وأن ترك السفينة مليئة بالثقوب سيؤدي إلى غرقها بكل من فيها لا قدّر الله، خاصة وأن الرياح عاتية من الإقليم ومن عواصف الأحداث العالمية لا ترحم الضعفاء. ومن أكثر ما يحز في النفس ويؤلم كل ذي حرص على الأردن صمت القبور الذي يطغى على السواد الأعظم ممن يفترض بأنهم “رجال دولة” أو قيادات نقابية كانت “تاريخياً” من حصون الدفاع عن الأردن ومواطنيه؛ فضلاً عن الإعلام الذي بات يعمل بـ “كبسة زر” سواء الرسمي منه أو غير الرسمي، ولكأني بهم قد تلقوا إيعازاً موحداً بالصمت في وقت يحتاج البلد فيه لصوت الحكمة الغائب لغاية الآن. وإن هذا الصمت والحياد غير الإيجابي يعتبر انحيازاً لقوى الإفساد والظلام ورضوخاً لها هذا وخذلاناً للوطن لا يغتفر.
حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره