“أنا مَش شحاد “!!

“أنا مَش شحاد “!!
سهير جرادات


انتشر الأسبوع الماضي فيديو لطلبة في المرحلة الابتدائية وهم يتخاصمون أمام معلمتهم ، حيث اشتكى أحدهم لها من تهجم زميله عليه بعبارة ” زن زني .. انت شحاد أردني” !! فيما يتهمه الطرف الآخر بأنه يتعدى على والدته بألفاظ نابية.
حمل هذا الفيديو بطياته معَانٍ عديدة ، بدءا من توقيت إعادة نشره في أول يوم لعودة الطلبة للمدارس إضافة على عبارة ” أول يوم دوام ” ، رغم أن الفيديو قديم يعود إلى فصل الشتاء ،حيث يرتدي الطلبة الذين لا يتجاوزون التاسعة من عمرهم ” كنزات صوف ” ، إلى جانب حرص المعلمة على تسجيل حوارهما عبر كاميرا هاتفها ؛ لتنقل إلى العامة قضية تربوية اجتماعية سياسية في غاية الخطورة ، وقد تكون نيتها تحذيرية تنذر بخطورة الأمر ، وتوجيه رسالة لذوي الاختصاص للوقوف عند هذه المشكلة ، والعمل على حلها قبل تفاقمها بطريقة لا يُحمد عقباها ، فيما أدرك جميع من شاهد الفيديو واسع الانتشار، الذي تم تداوله عبر “الواتساب” و” الفيسبوك ” بأن الجهة التي اسهمت في إعادة نشره وتوزيعه في هذا التوقيت بالذات لديها غاياتها وأهدافها غير السوية .
لا نعرف نية الطفل بماذا يقصد بــ ” الشحاد” ؟!! وهل يقصد من يتقاضى راتبا شهريا أقل من دخل الشحاد في يوم ؟!!، أم أن راتبه التقاعدي لا يتجاوز خط الفقر”!! .. إذا كان هذا ما يعنيه ، فإنه ينطبق على فئة كبيرة من أبناء هذا الوطن على اختلاف أطيافهم ومكوناتهم ممن يحملون السلاح ويرابطون على الحدود لحماية الوطن والدفاع عنه ، ومن ينتشرون في الشارع للحفاظ على الأمن ونشر الأمان ، ولا يبخلون بأرواحهم فداء لثرى الوطن، ومن هم حراس الطبشورة والقلم الذين يحموننا من الجهل والامية ، ومن يعملون في أغلب الوظائف العامة ، ورغم كل ما يقدمونه إلا أنهم يتلقون أقل أنواع الرعاية الصحية ، وأضعف أنواع التعليم.
روح يا ولد لأبوك الشحاد بأخلاقه وقيمة ومبادئه ونكرانه للجميل ، وقول له : ” أنا مش شحاد “!! ، رغم أنني لا استطيع ان أوفر الرعاية الصحية الجيدة لي ولأفراد أسرتي ، وأقضي جل وقتي في وسائل النقل العام ” المتهالكة ” ، وأخفي ضعف امكاناتي المادية، بالمشي على الاقدام نصف المسافة نحو عملي لأوفر جزءا من تكلفة النقل المرتفعة الثمن ، وأدرس أبنائي في غرف صفية مكتظة .
تدري يا ولد ، روح قول لابوك :” انا مَش شحاد ” !! أنا أردني جذوري ضاربة في هذه الأرض ، أنا ابن هذا الوطن ، ومالك الارض ، أنا صاحب العز والكرامة ، أنا لست بشحاد ، لكن الفساد أفقرنا وأرهقنا ماليا ، حتى بتنا نتقاضى رواتب “شحادين” ، ونعيش بتقاعدات ” شحادين ” أغلبها لا يتجاوز خط الفقر ، بعد أن نهب الفاسدون خيرات البلاد ، وخصخصوا مقدرات الوطن ، إلا أنني لم أشحد ولن أشحد رغم أننا بتنا نعيش عيشة الأحياء الأموات، الذين ينتظرون وقت الوأد.
إن ما جرى من “سجال ” بين هذين الطالبين ، واستخدامهما المصطلحات الهابطة، ما هو إلا دليل على غياب الوعي داخل المنزل ، ودليل على التنشئة الخاطئة والتوجيه غير اللائق للأبناء ، اذ انتشرت ظاهرة شتم الاطياف لبعضها بعضا، حيث ان هذه العبارات والشتائم يتم تداولها بصراحة داخل المنازل والاسر الممتدة ، ودون تحفظ بحيث يكتسبها الأبناء ويستخدمونها بأريحية دون أن يشعروا بأنهم يرتكبون جريمة .
في السابق ، خلال الجائحة تمت متابعة الأشخاص الذين اسهموا بنشر مقاطع تسجيل صوتي أو فيديو لتحذيرات حول وضع الوباء أثارت الهلع بين الناس ، وتابعتهم وحدة الجرائم الالكترونية وحولتهم للقضاء لمحاسبتهم ، لكن في هذا الفيديو رغم ما فيه من إساءة إلا أنه لم تتم متابعته ، بحيث تمت إعادة نشره للمرة الثانية ، على أمل أن يتم التحقيق بهذا الفيديو، واجراء اللازم حتى نوقف هذه الإساءة!!!
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أولاً، تسجيل الاطفال ونشر فيديوهاتهم اشي غير مقبول والمعلمة لازمها فصل…ثانياً، الفقر مش عيب، واخيراً اهم شي، الشعب الاردني نبيل وشهم ومحترم ومشكلته بفكر كل الناس طيبين القلب مثله…

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى