أنا عندي حنين

أنا عندي حنين
سالم فلاح المحادين

بينما كُنت أقلِب صفحات الفيس بوك تراءى أمامي فيديو كان واضحاً من غلافهِ الخارجي و عنوانه ( ذكريات مؤتة ) وقبل أن أضغط على زر التشغيل بأنهُ يُحاكي مرحلة الدراسة الجامعية لخريجي جامعتي الجنوبية الأجمل _ مؤتة _ ؛ إبتلعتُ ريقي وقررت خوضَ هذه المُغامرة المحفوفة بمخاطر الشوق وردهات الحنين المبرح ! مُرتكب هذه اللقطات النكراء كان قد أرفقها أيضاً بأغنيةٍ تُدغدغ عزفَ أحاسيسنا على وتر شيبةٍ باتت الآن تتصدرَ الموقف وتحظى رفقةَ المسؤوليات المُختلفة بنصيب الأسد من حياتنا وأيامنا ولحظاتنا الحالية ، تساءلتُ أثناء تأملي المشاهد هل حقاً مرت ستةَ عشر عاماً على مُكوثي هُنا أو مُروري من هناك ؟ هل حقاً كان يُباغتني المَساء في برنامج ( إثنين ، أربعا ) مُكتَظ فأخرج من بوابتها الشمالية مرصعاً بقمرٍ كنت أخالهُ لا يُطل إلا على شباب وصبايا مؤتة ؟ هل هذا المشهد الماطر أو تلكَ الغيمة السوداء في سماء الجنوب كانت ترُشنا بعطرٍ يُداعب إنسانيتنا غارساً في مُهجة القلب إنتماءً لا يُنسى ؟ ثم كان السؤال الذي قَضّ مضجعي حقاً هل ما أنا فيه من نوبات حنينٍ عائدٌ لكونها بالذات مؤتة ( ولكم أن تسألوا خريجيها ) عن رَونقها المُفعَم بالإختلاف وأصالة التاريخ التي ترتسم على مُحيا قاطنيها وعابريها ؟ أم أن الأمر يتعلقُ بمرحلةٍ لا تُنسى يقضيها الخريج أياً كان المكان والزمان ؟ أو لعله ربما شوق الشباب لنظرةٍ طائشةٍ من إحداهنَ ! أو إبتسامةٍ كالبصمة ليس لها أن تتكرر ؟ وربما وربما أنهُ الإحساس السيء الذي ينتابني كلما إستذكرت رحلةِ علمٍ توقفت عند الدرجة الجامعية الأولى وليتها لم تتوقف ! أو ولعلهُ الإحتمال الأكثر قرباً للمنطق ومفادهُ بأن الشوقَ يتاتى لزمانٍ يخلو من المسؤوليات والإلتزامات والواجبات مما يجعل الصفاء الذهني هو مُتسيد مرحلةٍ بدأ سحرها بالتلاشي إنطلاقاً من يوم التخرج ؟ أتعلمونَ يا سادة : حتى الأماكن والكافتيريات والشوارع والشجر والجدران ما زالت تحكي لمثلي عن مروري وعن عبوري وعن ثلة من الأحاسيس نضجت وتتلمذت على يد مقعدٍ خشبيٍ إعتلى أرضها ! ثمّ حدثتني بأرق التفاصيل وأدقها عن أستاذٍ علمني حرفاً فكنت لهُ وأيضاً لمن علمتني السرد عبداً ، كُل شيءٍ على ما يرام إلا الوُجوه : تغيرت تبعثرت تشتتت غادرت تحمل في ثنايا الوجد نفحةً من ألقٍ ودمعةً نمت وترعرعت على أرضٍ طهور ، إنتهى المقطع وحين أحسستُ بحاجتي لنقلةٍ نوعيةٍ تحملني من حيث كُنت إلى حيث أنا الآن في هذه اللحظة كان أن رسى عطاء الشوق على قلمي المتواضع و الذي تمكن من مُغافلة كُل هذا الجمال مُدحرجاً كُرةَ السنين في وادٍ سحيق فأعادني طفلاً يحق لهُ التأمُل ؛ والعشق أيضاً !

مؤتة : أقولها الآن ولطالما قلتها ( أنا عندي حنين وبعرف لمين ) !

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى