أنا #العميد “أنا #الزعيم”!
د. حفظي اشتية
إلى بضعة عقود خلت، كان #التعليم #الجامعي في وطننا يتسنّم القمم، وكنا مشاعل هدى وريادة في المنطقة، وكان المعلّم الأردني في الدول المجاورة مضرب المثل، لأنه تخرّج من جامعة تصنع الرجال خُلقاً وعلماً، جامعة يقوم على شؤونها الإدارية قامات علمية وأخلاقية أقدامها على الأرض وهممها بين النجوم.
ثم تغيّر وجه الزمان، فتسلّل إلى المناصب الإدارية بعض الدخلاء الذين شوّهوا المشهد، وأصبحوا معاول هدم لكل مجد وسؤدد.
ستعرض المقالة طائفة من الصفات (الافتراضية) ليتم إسقاطها على عالم الواقع لمعاينته، ورصد أسباب ما غلب عليه من تخلّف وانحدار وانعدام الانتماء وهجرة الأكفياء .
- أنا العميد، تسلّقت منصبي بكل أسلوب ملتوٍ، تعربشت على العلاقات مع المسؤولين وفهمت رغباتهم ونقاط ضعفهم ونزواتهم، فلبستُ شخصية (النمس) وتغلغلت لإرضائهم: هذا يحب العقبة، وهذا لبنان، وهذا تركيا…إلخ، هذا صريع كرشه، وهذا أسير قرشه، وهذا عشيق كأسه، وهذا طريح الرذائل، وهذا رفيق الدنايا…. ولكل شرّاء بضاعة وسوق، وأنا أُلعبان الأسواق، وبهلوان الأماني.
-أنا العميد، أحمل عدّة شهادات دكتوراه من قارات مختلفة، وفي أوقات موحدة، كنت كالبراق أتنقل وأداوم هنا وهناك، وأملأ حرجي وخرجي بشهادات بالية بائلة بالخزي والزيف، تفوح بها سيرتي الأكاديمية الطافحة، وتسوّد صفحاتها لكل ساذج يعاينها، فلا يربط بين أشتاتها ومزقها، ولا يقرأ ما بين سطورها، ولا يلاحظ تناقضاتها وتهافتاتها. - أنا العميد، أنتقي كل نطيحة متردّية رديّة رديئة، لأشكل منهم مجلساً يتلبّس بالمؤسسية الباهتة البائسة، لتبدو قراراتي جماعية تشاورية تشاركية، وما هي في الحقيقة إلّا فضلات أمنياتي وجسور مآربي ورغباتي وطموحاتي، وتنفيذ الأوامر الكيديّة التافهة لمعلمي وربيب نعمتي.
- أنا العميد، لكثرة مشاغلي وتخطيطاتي الشخصية ومكائدي وعلاقاتي ودواويني الخاصة، لا وقت لدي للنهوض بشؤون كليّتي ولا الارتقاء بها، ولا إشاعة العدل فيها، ولا تعزيز الانتماء في نفوس موظفيها ، ولا ولا ولا ….. لا متسع لدي لأكتب أبحاثاً وأنا لا أتقن ذلك أصلاً، بل أُكلّف بعض المدرسين في كليّتي بكتابة أبحاث لا علاقة لها بتخصصي، ويكتفون بوضع قشرة في العنوان لخداع العيون, وقشّة تربط بين تخصصي وتخصصهم، ويضيفون اسمي إلى أسمائهم في أبحاثهم، لتدخل في إنجازاتي العلمية العظيمة العريقة!! وسرعان ما يتلقفها المسؤولون عني ليتم تمريرها على خط “الإخراج” السريع، فيتلألأ اسمي في سماء الترقيات، ويلعلع ذكري في دنيا العلماء العظام، وتتراقص الطموحات في ناظري لأعتلي وأعتلي في المناصب، فمثلي هو عنوان المرحلة للتعليم والإدارة والأخلاق في هذا الزمان.
- أنا العميد، أُدرك جيداً أن المال هو بيضة القبّان للعزائم والولائم والهدايا والمشارب والمطارب والمعايب… لذلك أجعل همّي منصباً على جمعه فأستثمر في المطاعم والدكاكين والعمارات الإسكانية ….إلخ، وإن شحّ المال وعزّ بين يديّ وقويت الحاجة إليه، لجأت إلى الاتجار بكل شين مشبوه، وغرقت في التزييف والتزوير حتى في الشهادات، وطعّمتها ببرازق الشام تملأ بطون الجشعين ليغمضوا عني الأفواه والعيون.
- أنا العميد، لا أتقن أدنى أساسيات اللغة العربية التي برع فيها طلاب المرحلة الأساسية الدنيا، أسطّر ملاحظاتي على الكتب الرسمية فيطالعها المختصون ويصابون بالغثيان ممّا يقرأون، ويزهدون في وظائفهم، ويرثون لحالهم، فكيف يكون مثل هذا مسؤولاً عنهم وهو ينحر لغتهم، ويملؤهم الغيظ والألم والندم وهم يتذكرون أن انعدام أبجديات كفايات الإدارة في هذا العميد تقتل أرواحهم، فحتى قطيع الأغنام في الظروف الطبيعية يقوده كبش أملح عظيم القرون، أما في الزمن المقلوب فتقوده عنزة جرباء صمّاء بكماء زائغة العيون.
- أنا العميد، أتقن من المصادر كل ما هو على وزن “فعللة” وما يشبهها، من نطنطة وولدنة وشيطنة وزعرنة… إلخ.
وأعشق من الكائنات الحيّة الحرباء والثعلب، فتراني أتلون وأتمسكن، لكنني أمسك بتلابيب الفرصة عندما تلوح فأتفرعن. ولأنني أعرف نفسي جيداً من الداخل، وأعلم يقيناً بأنني فارغ خاوٍ خائر … أتنافخ من الخارج لأخدع بعض الناس بقوتي الوهمية الواهية، وألعب على أوتار أرزاقهم وحاجاتهم ومطالبهم لأضغط عليهم وأقودهم إلى طاعتي وتنفيذ حاجتي، ثم أنفش ريش الطاووس لإظهار سطوتي وسلطتي. - أنا العميد، عصبي “نرفوز”، أفتقر إلى حكمة عقلاء المجانين أو مجانين العقلاء، فكل من ينكأ جرحي ويذكرني بهواني وتهالك شخصيتي، يحكُّ جربي، فتثور ثائرتي، وأستعين بوسائل إبليس لاتهامه وإيذائه ومضايقته وإبعاده، فإن كشف سوأتي، وعرّى ضعف شخصيتي، لم أواجهه بالحجة أو الدليل، بل لجأت إلى إطلاق العديد من العيارات النارية صوبه بيدٍ مرتجفة لأتمكن بالصدفة من إصابة حذائه.
فكيف ترون شجاعتي؟! أنا العميد ” أنا الزعيم”.