ألعاب الموت! / شروق جعفر طومار

ألعاب الموت!
شروق جعفر طومار

يبدو أن احتمالية تعرض أطفالنا بين الحين والآخر لتهديدات ومخاطر مختلفة تحملها بعض الألعاب الإلكترونية بات أمراً حتمياً في ظل صعوبة السيطرة على محتوى الفضاء الإلكتروني الواسع، واستحالة منع الأطفال من استخدام الإنترنت والتطبيقات الذكية والتي باتت مكوناً أساسياً من مكونات حياتهم اليومية.

حالة الهلع التي تسببت بها لعبة “الحوت الأزرق” منتصف العام الفائت التي تم ربط عدد من حالات الانتحار أو محاولات الانتحار بين الأطفال والمراهقين بها، لم نكد نتخلص منها وإذ بموجة جديدة من القلق تثيرها مؤخراً شخصية “مومو” التي قيل إنها تظهر فجأة خلال فيديوهات ذات محتوى مخصص للأطفال على موقع يوتيوب، تحاور الأطفال وتتحداهم باستدراجهم للقيام بسلوكيات غريبة تصل حد إيذاء النفس والانتحار.

اللافت في الأمر، هو أنه وعلى الرغم من الخطورة الشديدة لهذا التحدي، وتأكيدات عدد من الأهالي في الأردن رؤيتهم لصورة “مومو” تعترض فيديوهات الأطفال وفقا لتقرير نشر مؤخرا في جريدة الغد أعدته الزميلة نادين النمري، إلا أنه ولدى سؤالي مجموعات متفرقة وعشوائية من أولياء الأمور عن الشخصية خلال اليومين الماضيين تبين لي بأن غالبيتهم لا يعرفون عنها شيئاً ولم يسمعوا بها.

مقالات ذات صلة

المسؤولية الأولى في حماية أطفالنا من مخاطر كهذه وغيرها من المخاطر الكثيرة التي قد تلحق بهم نتيجة تعرضهم لمحتويات غير آمنة عبر الإنترنت أو الألعاب الالكترونية تقع على عاتق أولياء الأمور الذين أصبحوا يستسيغون مكوث أطفالهم لساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الذكية من دون مراقبة أو حوار مع الأبناء حول هذه المخاطر المحتملة.

لكن غياب الوعي الكافي لدى أولياء الأمور أنفسهم يوسع دائرة المسؤولية ويتطلب آليات منظمة من جهات عديدة للحماية من هذه المخاطر وتأهيل الأطفال وذويهم للتعامل معها.

إصدار دائرة الافتاء الأردنية فتوى بتحريم “لعبة مومو” خطوة إيجابية قد تسهم في لفت الأنظار إلى خطورة الأمر، لكنها وحدها ليست كافية، إذ أن مثل هذه الألعاب تستهدف الأطفال ممن ليس لديهم حساسية كافية تجاه فتاوى دائرة الإفتاء، كما أن الأمر لا يتوقف عند هذه اللعبة ولا يقتصر عليه.

هيئة تنظيم قطاع الاتصالات قد لا تتمكن من حجب اللعبة كما فعلت مع “الحوت الأزرق” كونها ليست تطبيقاً مستقلاً، ولكن بإمكان الهيئة، على سبيل المثال، وبالتنسيق مع شركات الاتصالات، إرسال رسائل نصية تحذيرية تسهم في تنبيه الأهالي بخطورة اللعبة ورفع وعيهم حول المخاطر التي تنطوي عليها بعض الألعاب أو التطبيقات، وستكون هذه الرسائل ذات قيمة أعلى فيما لو تضمنت نصائح من خبراء ومختصين حول كيفية قيام الأهالي بتوعية أبنائهم وحمايتهم منها، وتزويدهم بروابط لمواقع الكترونية وتطبيقات آمنة لاستخدام الأطفال للاستعاضة بها عن المواقع العامة.

وسائل الإعلام أيضاً بإمكانها المساهمة بشكل كبير في ذلك، من خلال تقديم تغطية بناءة تتضمن مثل تلك النصائح والتوجيهات، ولا تقتصر فقط على المعلومة وبشكل قد يعزز المخاوف ويزيد من حالة القلق.

وزارة التربية والتعليم يمكنها لعب الدور الأكبر في ذلك بواسطة المؤسسات التعليمية من خلال حزمة من الإجراءات المتوازية؛ منها ما هو فوري كإرسال نشرات توعوية لأولياء الأمور حول تحدي” مومو”، وتخصيص حصة صفية خلال الأيام القادمة لطلبة المدارس لتحذيرهم من اللعبة بواسطة مختصين بطريقة مهنية تربوية تساعدهم على حماية أنفسهم دون أن تثير لديهم الذعر أو الفضول السلبي.

إلى جانب ذلك، من الضروري التفكير بإجراءات طويلة الأمد، فالانترنت والتطبيقات الذكية والألعاب الالكترونية وما تنطوي عليه من ايجابيات وسلبيات أصبحت، كما أشرت، مكوناً رئيسياً من مكونات الحياة ومتطلباتها، فما المانع إذن في استحداث مساق مدرسي على نسق مساقات التربية الرياضية، والمهنية، والاجتماعية، يسمى مساق “التربية الإلكترونية”، يهدف إلى تأهيل الطلبة للتعامل مع هذا الفضاء وتزويدهم بما يمكنهم من استغلال المساحات الإيجابية منه، وحماية أنفسهم مما قد يحمله من مخاطر وتهديات.

مجرد اقتراح، قد يوفر علينا كثيرا من المآسي في ما لو نظرنا إليه بقليل من الاهتمام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى