أفريقيا في قبضة الموساد الإسرائيلي
حسن العاصي
الجاسوسية بديل للدبلوماسية
تطويق العالم العربيّ وتهديد أمنه القوميّ عن طريق السيطرة على المنافذ الجنوبيّة للبحر الأحمر. وضمان التفوق العسكري والاستراتيجي عبر التحكم في النقاط الإستراتيجيّة الهامّة التي تحيط بالعالم. وكذلك تأمين الجالية اليهودية وتعزيز نفوذها بالقارة. هذه أهم الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها في القارة الأفريقية عبر أساليب متعددة، سياسية واقتصادية، ولكن الأهم والأخطر هو التعاون العسكري والأمني. حيث تتسلل وتمتد أيادي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في عمق القارة، بظل تراجع النفوذ العربي، وغياب تأثير وحضور العرب، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. هذا الغياب يستغله الكيان الصهيوني لتعزيز تواجده الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي بين دول القارة.
منذ السنوات الأولى لعلاقة اسرائيل بالقارة الافريقية لعب جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ـ وما يزال- دوراً بالغ الأهمية في تسهيل دخول اسرائيل إلى افريقيا وفي إنشاء مراكز نفوذ لها في عدد من العواصم الافريقية، ناهيك عن العلاقات المتميزة بين الموساد والعديد من أجهزة الاستخبارات الافريقية الذين تدربوا في اسرائيل أو قام ضباط اسرائيليين في تدريبهم بأوطانهم، وتسعى إسرائيل من وراء ذلك إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية والعسكرية والسياسية، والخروج من عزلتها الدبلوماسية مع أكبر عدد ممكن من الدول الافريقية كنافذة لدخول اقتصادي أكبر.
تخطيط صهيوني مبكر
النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في القارة الإفريقية قديم، ويعود إلى السنوات الأولى بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، ففي بداية الخمسينيات من القرن العشرين شكل الصهيوني ” ديفد بن غوريون ” فريق عمل لبحث كيفية التعامل مع البيئة المحيطة من دول عربية وافريقية، وضم هذا الفريق كبار الخبراء في الشؤون الاستراتيجية والسياسية والأمنية والدبلوماسية، ولعب الموساد منذ تلك الفترة الدور المحوري في تنفيذ السياسات الصهيونية لاحتواء القارة الافريقية وذلك عبر إرسال أكثر من خمسة آلاف خبير ومستشار في الشؤون العسكرية والأمنية والبناء والزراعة، من أجل بناء وتنظيم جيوش تلك الدول وتدريب أجهزتها الأمنية، وخاصة في أثيوبيا وأوغندا وغينيا وغانا وجنوب السودان والكونغو وإرتيريا وجنوب افريقيا وزائير وتنزانيا، هذه الدول التي يمتلك الموساد الاسرائيلي فيها علاقات تنسيق وتعاون مع اجهزتها الاستخبارية، ومع كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين فيها، وتقوم إسرائيل بتوظيف هذه العلاقات لمحاصرة الدول العربية والضغط عليها لأجل القبول بها كدولة جارة غير مغتصبة.
وفي ستينيات القرن الماضي قامت إسرائيل عبر جهاز مخابراتها ببيع أسلحة وعتاد إلى الحركة الشعبية لتحرير أنغولا التي كانت تقاتل الاستعمار البرتغالي وتسعى لنيل الاستقلال، وقامت إسرائيل أيضاً بتدريب المئات من مقاتلي الحركة، لكنها عادت في بداية السبعينيات بتزويد ودعم طرفي الصراع في أنغولا، وكانت المخابرات الإسرائيلية بالتنسيق مع المخابرات الزائيرية ترسل شحنات من الأسلحة للطرفين، ومن المهم معرفة أن أنجولا تعتبر خامس أكبر دولة منتجة للماس في العالم.
وقد كشفت تحقيقات أجرتها أجهزة مخابرات أوروبية في العام 2013 عن تورط ابنه الرئيس الأنغولي وملياردير إسرائيلي يدعى “إيهود لنيادو” في واحدة من أكبر عمليات غسل الأموال التي أعلن عنها في بلجيكا، حيث كان يجري تهريب الالماس من أنجولا إلى بلجيكا بالتعاون مع الشريك اليهودي البلجيكي “سيلفان جولدبرج” دون دفع ضرائب، وقد تدخلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية للوصول إلى تسوية للقضية، مما يؤشر ويدعم الشبهات حول الدور القذر الذي يلعبه الموساد الإسرائيلي في الكثير من الملفات في القارة السمراء، وهذا ما كان يتم لولا التنسيق الأمني مع المخابرات الأنغولية التي كانت على علم بنشاطات ابنه الرئيس في تجارة الألماس .
لكن لماذا تقوم إسرائيل بتكليف حهاز المخابرات الإسرائيلية بمعالجة بعض الملفات الساخنة سياسياً واقتصادياً؟
سوف نحاول هنا إجراء مقاربة تحليلية لهذا السؤال
ما الذي تسعى إسرائيل إليه
ترتبط منطقة حوض النيل التي تشمل كلا السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وإرتيريا وكينيا وأوغندا والكونغو وجنوب السودان وبوروندى ورواندا ومصر بأهمية استثنائية في الاستراتيجية الجيوسياسية الإسرائيلية ، لذلك ليس مفاجئاً أن ينشط فيها جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، الذي يتواجد في كافة القطاعات التي تشكل محاور اهتمام القيادة الإسرائيلية، في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية في دول حوض النيل، يساعد هذا العمل المخابراتي الذي تقوم به الموساد على أن تقوم إسرائيل بتحقيق أهدافها المتمثلة في القطاع الزراعي على سبيل المثال الذي أولته إسرائيل قدر كبير من الاهتمام نظراً لأنه ميدان مرتبط باستغلال مياه النيل الذي تعتبرها إسرائيل ساحة مواجهة مع مصر، وتشير تقارير وزارة الخارجية الإسرائيلية أن 46 شركة إسرائيلية تعمل في إثيوبيا في مجال الزراعة.
وفي منطقة القرن الإفريقي القريبة من اليمن التي تلتهب بحرب شنتها قوات التحالف العربي في مواجهة المد والتوسع والنفوذ الإيراني الذي أدركت إسرائيل قبل غيرها هذا الخطر الذي يمثله الوجود الإيراني في منطقة باب المندب بالغ الأهمية لها حيث أنه يشكل رئتها الاقتصادية لنقل بضائعها إلى القارة الآسيوية، لذلك عمدت إسرائيل منذ وقت مبكر أن يكون لها وجود أمني استخباراتي في هذه المنطقة من إفريقيا لتكون على علم بكل مايجري فيها، واستطاعت أن تبني علاقات متينة مع دول القرن الإفريقي، حيث عمل جهاز الموساد الإسرائيلي على إنشاء جبهة من إثيوبيا وإرتيريا وكينيا كي يتم من خلال هذا التعاون التصدي للجماعات المتطرفة في الصومال من جهة، ولمواجهة الوجود الإيراني الذي بدأ يظهر ويتمدد في تلك المنطقة التي تشهد حرباً استخباراتية بين إسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية.
وقد أنشأت إسرائيل قاعدة أمنية ومراكز تجسس في إرتيريا لمراقبة النشاط الإيراني في البحر الأحمر، ومن المعروف أن إرتيريا وإسرائيل ترتبطان بمعاهدة أمنية وعسكرية تم توقيعها في العام 1996، وقدمت إريتيريا تسهيلات كبيرة لإسرائيل لتعزز وجودها الأمني في أرخبيل “داهلاك”، وبذلك تتمكن المخابرات الإسرائيلية بمساعدة المخابرات الأريتيرية بجمع معلومات عن المملكة العربية السعودية واليمن والصومال والسودان، ومراقبة الحركة الإيرانية كذلك.
والنشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في القارة الإفريقية يعود إلى بداية قيام الدولة العبرية، حيث قامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك “غولدا مائير” بجهود جبارة من أجل بناء علاقات مع الدول الإفريقية لفك عزلة إسرائيل واكتساب أصوات لصالحها في الأمم المتحدة، لذلك قامت إسرائيل بتأسيس شبكة أمنية قوية في منطقة القرن الإفريقي والساحل الشرقي، واستند النشاط الإسرائيلي لتحقيق هذه الغايات على نشاط وزارة الخارجية التي تقوم بنشاط دبلوماسي يقوم بمعظمه عبر عملاء للموساد الإسرائيلي، ومن جهة أخرى قامت إسرائيل بتشكيل إطار جديد أسمته ” الماشاف ” وهي هيئة التعاون الدولي، مهمتها التنسيق بين الإدارات الحكومية والوزارات وشركات القطاع العام والخاص الإسرائيلي بهدف اختراق القارة الإفريقية، ولم تكن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية بعيدة عن هذه الهيئة، فقد أنيطت بالموساد الإسرائيلي مهام أمنية تحت ستار التعاون، إذ تتشعب علاقات الموساد وهيئة التعاون مع كثير من المنظمات داخل وخارج إسرائيل، وقد قامت الهيئة بتأسيس المعهد الآفرو- الآسيوي، والمركز الدولي للتأهيل المعروف باسم “كرمل”، إضافة إلى أنها تصدر مجلة السلام بخمس لغات، تقوم إسرائيل بإرسال نسخ من المجلة إلى جميع الذين سبق لهم التخرج من دورات أو دراسة أقامتها أو أشرفت عليها منطمة الماشاف.
تأسيس معهد الجاسوسية
وفيما يتعلق بالمعهد الأفرو آسيوي، فقد تم تأسيسه في العام 1960 من قبل نقابة العمال الإسرائيلية التي يطلق عليها ” الهستدروت”، وكان الهدف من تأسيس المعهد هو استقبال دارسين من إفريقيا وآسيا لتأهليلهم في القضايا الاقتصادية والتنموية والعمل النقابي، ويتم استقبال المتدربين من الدول التي أقام الهستدروت علاقات معها، وهذا أيضاً يتم بالتنسيق السري مع المخابرات الإسرائيلية التي تكون حاضرة في الوسط الذي يتدرب فيه الأفارقة والآسيويين، بصفة مدرسين أو مستشارين، وبدأ المعهد منذ بداية الستينيات من القرن الماضي في إقامة ورشات عمل شارك فيها مئات من الأفارقة والآسيويين، ثم بدأ المعهد بتسيير دورات تدريبية متنقلة خارج إسرائيل، تجوب بعض الدول الإفريقية لإقامة دورات للطلبة الأفارقة.
وقد قامت هيئة التعاون الدولي الإسرائيلية والموساد الإسرائيلي بتأسيس جمعيات صداقة بين الدول الإفريقية إسرائيل، كذلك تم تشكيل أندية السلام في العديد من المدن الإفريقية، بهدف تلميع صورة إسرائيل وتسويقها عند الشعوب الإفريقية، وتقوم إسرائيل بتقديم الدعم المالي لهذه الجمعيات التي يديرها أصدقاء إسرائيل من الذين سبق ودرسوا فيها، تقوم هذه الأندية والجمعيات بتوفير مواد إعلامية من صحف ومجلات وكتب عن دولة إسرائيل، وتقوم بتنظيم المحاضرات ورشات العمل والمؤتمرات.
ومن خلال الدورات التدريبية التي تقيمها إسرائيل عبر منظمات وأطر وقنوات مختلفة ومتعددة وبمشاركة غير معلنة من الموساد، استطاعت إسرائيل عبر ذلك من التسلل رويداً رويداً إلى الدول الإفريقية التي كانت قد تحررت من الاستعمار حديثاً وتحتاج إلى مساعدة وتعاون في كافة المجالات خاصة الحيوية منها مثل الزراعة والتعليم والصحة، وهذا ما وجدته هذه الدول لدى إسرائيل التي استغلت حاجة الدول الإفريقية كي تجد لها مكان في القارة السمراء، مكان ما كان يمكن أن تكون فيه لولا الغياب العربي بشكل عام، وخاصة الغياب المصري الذي كان اسمها يتردد على ألسن حركات التحرر الإفريقية.
ثروات أفريقية بلا حدود
بلغة الأرقام فإن القارة الإفريقية هي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، تأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا. تبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلومتر مربع (11.7 مليون ميل مربع)، وتضم أربعة وخمسون دولة، وتتضمن هذه المساحة الجزر المجاورة، وهي تغطي 6% من إجمالي مساحة سطح الأرض، وتشغل 20.4% من إجمالي مساحة اليابسة. ويبلغ عدد سكان أفريقيا مليار ومائتي مليون نسمة (إحصاء 2011)، يعيشون في خمسة أقاليم، وتبلغ نسبتهم حوالي 14.8% من سكان العالم، وتمتلك القارة الإفريقية 12% من احتياطي النفط في العالم، و1% من الغاز الطبيعي، وتمتلك 80% من البلاتين في العالم، وكذلك 40% من إنتاج الألماس، و25 % من الذهب، و27 % من الكوبالت، و9 %من الحديد، وتمتلك حوالي 20 % من المنغنيز والفوسفات واليورانيوم من الاحتياطي العالمي.
تملك القارة حوالي 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يقدر بحوالي 12% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، هذا بالإضافة إلى 100 مليار برميل على شواطئ القارة في انتظار أن يتم اكتشافها.
تشارك أفريقيا بأكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم. أبرز هذه الدول هي “النيجر، وناميبيا، وجنوب أفريقي”.
في عام 2008م أنتجت القارة الأفريقية حوالي 483 طنًّا من الذهب، بما يمثل حوالي 25% من إجمالي إنتاج العالم. نصف إنتاج القارة من الذهب يتم عبر جنوب أفريقيا بالإضافة لدول أخرى، مثل: غانا، وغينيا، ومالي، وتنزانيا. وتمتلك القارة احتياطات من الذهب تقدر بحوالي 50% من إجمالي احتياطات العالم.
تتميز أفريقيا بوجود الكثير من الغابات التي ينتج منها الأخشاب بكميات كبيرة. تساهم صناعة الأخشاب بحوالي 6% من إجمالي الناتج القومي للقارة بأكملها، وهي أعلى نسبة في جميع القارات.
هذه الأرقام والمعطيات قد تفسر جانباً من أسباب التنافس بين القوى الإقليمية والقوى الكبرى للسيطرة على القارة السمراء طمعاً في خيراتها البكر، تنافس قد يتحول إلى صراع بين هذه القوى خاصة ان علمنا أن دولة مثل الصين تمتلك استثمارات في القارة الإفريقية بقيمة “250” مليار دولار، وتنوي الحكومة الصينية زيادة هذه الاستثمارات، مما يدفع بعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التشنج والتوتر، لأن أمريكا تشعر بأن الاستثمارات الصينية في إفريقيا تهدد مصالحها، ثم هناك مصالح فرنسية ونفوذ قديم، وحتى تركيا دخلت على خط المنافسة في القارة السمراء ولديها استثمارات بقيمة تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، وطبعا هناك أيضاً النشاط الاقتصادي الإيراني الذي يصدر النفط لإفريقيا ويطمع بالحصول على اليورانيوم من أجل برنامجه النووي، وبشكل عام كافة استثمارات إيران في إفريقيا مرتبطة بشكل أو آخر بالبرنامج النووي، لكن يبقى الطرف الأهم هو إسرائيل تلك الدولة الصغيرة التي قفزت من فوق رؤوس حوالي “400” مليون عربي لتصل إلى عمق القارة الإفريقية، وتستطيع أن تحقق مكاسب مهمة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية.
إنجازات مهمة للموساد في أفريقيا
بفضل جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد تمكنت إسرائيل من إنشاء عدة جسور تربطها مع العديد من الدول الإفريقية، وينشط الموساد تحت عناوين كثيرة أهمها قطاع الأعمال، حيث يستطيع رجل الأعمال أن يصل إلى حيث لايتمكن أن يصل الدبلوماسي أو العسكري، وكثيراً مايتم ذلك بالتنسيق والتعاون مع رجال أمنيين وقادة أجهزة استخبارات إفريقية من أصدقاء إسرائيل، وهذا ما يؤكده وجود ستة من قادة الموساد السابقين يعملون في إفريقيا، وهم “شبتاي شافيت” رئيس جهاز الموساد السابق الذي يعمل في القطاع الأمني في نيجيريا، وله شركة تعمل في مجال الزراعة في أنجولا، وكذلك “داني ياتوم” الرئيس السابق للموساد ويعمل في قطاع التسليح ويساهم في نشاط متعلق بالطاقة، و”رافي إيتان” كان ضابط كبير سابق في الموساد، وكان وزير الزراعة الإسرائيلي السابق، يدير شبكة من المؤسسات تعمل في المجال الأمني وفي الزراعة في أوغندا، أيضاً “حجاي هداس” مسؤول العمليات الخارجية السابق ويملك عدد من الشركات التجارية في أوغندا، وهو تاجر سلاح مشهور في إفريقيا ويعمل مستشار أمني للرئيس الأوغندي.
الاختراق الإسرائيلي للسودان، جنوبه وشماله، شرقه وغربه، بات واضحاً جلياً. وفكرة إسرائيل في تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب ما زالت حلماً صهيونياً ينتظر الظروف المناسبة لتحقيقه. كما تسعى إسرائيل إلى الحصول على تسهيلات عسكرية في السودان، وإقامة قاعدة عسكرية فوق أراضيه، تضاف إلى خمس قواعد لها في جزيرة “حنيش” و”هلك” في أثيوبيا.
كما صدرت بعض التقارير التي تشير إلى وصول أعداد متزايدة من السودانيين من أبناء دارفور إلى إسرائيل عبر سيناء.
السودان كان هدفاً للكيان الصهيوني منذ عقود خلت. والدعم المالي والعسكري والأمني الذي قدمته إسرائيل للحركة الانفصالية السودانية في الجنوب غير خاف. ومن بين قادة الانفصاليين يهوداً تربطهم علاقات وثيقة مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مثل “ديفيد بسيوني” الذي كان مرشحاً لرئاسة حكومة الجنوب.
منظومة متكاملة للاختراق
ونحن نتحدث عن دور الموساد الإسرائيلي في التنسيق مع الأجهزة الأمنية في العديد من الدول الإفريقية بهدف تسهيل التسلسل الإسرائيلي إلى كافة مفاصل الحياة في القارة السمراء، يجب أن نذكر أن هذا النشاط الذي يقوم به الموساد يتكامل معه نشاط آخر يقوم به أطباء وعلماء وباحثين ومدربين إسرائيليين، وحتى أعضاء في المافيا الإسرائيلية تجندهم الموساد للعمل معها، كل هؤلاء يعتبرون أنفسهم جنود في خدمة دولتهم إسرائيل، واستطاعت هذه الدولة عبر خططها وأدواتها المتعددة من تحقيق العديد من المكاسب بالرغم من أن ليس لها وجود في كافة دول القارة الإفريقية، بينما العرب الذين يمتلكون علاقات مع كافة الدول الإفريقية، وبينهم عشرة دول عربية من بين اثنتان وعشرون دولة عربية تقع في القارة الإفريقية لم يستطيعوا أن يطوروا علاقاتهم مع القارة الجارة ولا حتى أن يحافظوا على نفوذهم الذي كان قد تحقق خلال فترة ممتدة من الخمسينيات ولغاية تسعينيات القرن الماضي، بفضل جهود كبيرة دبلوماسية واقتصادية وسياسية وثقافية بذلتها سابقاً عدة دوائر عربية.
ضربة قاضية أم
ما يثير الغضب والدهشة في آن، قيام إسرائيل بوضع ملف العلاقات الأفريقية الإسرائيلية بيد أعلى المستويات السياسية والأمنية، حيث يدير هذا الملف كلاً من رئيس الحكومة ووزير الخارجية وجهاز الاستخبارات. في المقابل نلاحظ غياباً تاماً للدبلوماسية العربية، والدبلوماسية الفلسطينية في حالة سبات منقطع النظير، وكأن الأمر لا يعنيهم. باستثناء الدبلوماسية المغربية التي تحركت خلال الأعوام السابقة لتنشيط العلاقات وزيادة مستوى التنسيق مع عدد مهم من الدول الأفريقية.
على العرب إدراك الأهمية الكبيرة للقارة الأفريقية العظيمة، وعدم إهمالها، فهي بمثابة الاحتياط الاستراتيجي للأمة العربية.
إلى وقت قريب، كان للأفارقة مواقف نبيلة من القضية الفلسطينية، وظل الكثيرون من الأفارقة ينظرون الى إسرائيل كقوة احتلال استعمارية عنصرية، تقوم بقتل وقمع الشعب الفلسطيني الأعزل صاحب الأرض. وكانت مواقف الدول الأفريقية في مختلف المحافل الدولية سنداً داعماً للقضية الفلسطينية دون تردد.
ولكن في ظل هذا الكسل العربي الذي بلغ حد الاستهتار بالعلاقة مع الأفارقة، وتواطئ بعضهم على الفلسطينيين، وبفعل الضغوط الأمريكية الكبيرة، والإغراءات الصهيونية، وضعف العامل الفلسطيني ذاته، وتغير كثير من العوامل الدولية، استطاعت إسرائيل أن توسع من دائرة نفوذها في القارة الأفريقية. فهل تتمكن من الإجهاز على ما بقي لنا من أصدقاء داعمين في أفريقيا، أم أن أحرار القارة سيظلون أوفياء للحقوق الفلسطينية؟