أعادونا للجاهلية   / باجس القبيلات

  أعادونا للجاهلية
 
كتب الروائي الروسي دوستويفسكي : “هل فكرتم في العدد المروع من الشباب الذين يبيحون دماء الآخرين والشباب الذين ينهون حياتهم بأيديهم في العالم ؟  ألم يتساءلوا عما سيصيرون إليه بعد الموت ؟ لكأن مشكلة المصير الذي ينتظرنا في الحياة الآخرة أصبحت غريبة عن عقولهم، فهم قد نسوا ودفنوا هذا النوع من الاهتمامات والتساؤلات منذ زمن طويل”، وهؤلاء في مجتمعنا بازدياد مستمر، فشدة التوحش وقسوة القلب أصبحت على قدر عال، نظرا للكم الهائل من جرائم القتل وحالات الانتحار التي وقعت وراح ضحيتها أباء وأبناء وأطفال أبرياء .

تلك المآسي الدامية تعاظم شأنها في المدن المكتظة بالسكان بشكل ملحوظ خاصة بين الذكور، وانخفضت عند أهل القرى الذين تحكمهم النزعة العشائرية التي ما برحت تحض على ثقافة العيب والصدق والوفاء والمحبة والألفة بين الناس، رغم افتقادهم إلى العديد من الخدمات الأساسية والترفيهية، ومع ذلك قلما وقعت بينهم هذه الآفة البشعة التي تجلت بين أولئك الذين يقطنون المدينة، وهذه المعلومات _ تحديدا الانتحار _ أكدتها إدارة المعلومات الجنائية في ورشة العمل التي نظمتها مديرية الأمن العام في الأيام الماضية بالتعاون  مع المجلس الوطني لشؤون الأسرة .

 دائما إذا أردنا وئد تلك المعضلة واستئصالها ومعرفة أسبابها الحقيقية، لتلافي وقوع أحداث دامية بالمستقبل، هناك من يلقي اللوم على الأوضاع الاقتصادية والمشاكل النفسية التي دفعت بأولئك المرضى إلى تلك الحالة من التردي التي تصبح فيها الجريمة أمرا مفروضا، وآخرون يتحججون بضعف الوازع الديني وانحسار الأخلاق، وثمة من يتذرع في عدم وجود قوانين صارمة بخصوص الجرائم وعدم تطبيق عقوبة الأعدام بشكل فعلي، وبعضهم يرجح حركة اللاجئين السوريين التي توالت على الأردن في السنوات الأخيرة، وبعضهم الآخر يظن أن الظروف التي تجتاح دول الجوار كافة وراء هذا الخطر المحدق، ولكن في حقيقة الأمر هذه حجج واهية والمسألة لا تحتاج إلى كل هذه الشروحات والتوضيحات إذا تعمقنا في صلب هذه الأفة الدخيلة على بلادنا .

 تلك الحوادث الإجرامية برزت في السنوات الأخيرة بشكل لافت وباتت تمثل خطرا داهما على المجتمع، وقد صار تأثيرها جليا على مناحي الحياة المختلفة، وإن تطرقنا لتفاصيل هذه المأساة أجزم أننا سنحمل أرباب الأسر الوزر الأكبر في وصول أبنائهم إلى درجة مؤسفة .

أما وقد بلغت المأساة ذروتها، وحتى نستأصل هذا الداء دعونا ننظر ونقتدي بأهل القرى الذين ما زال الشعور الديني يسيطر على الكثير من مظاهر سلوكهم، وما برحوا يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم التي تحث على العلاقات الوثيقة بين الناس، وما فتئوا يحافظون عليها بشدة ويتناقلونها عبر الأجيال، أضف إلى ذلك إن الأب ما زال يمثل دور المسؤول الأول والأخير في الأسرة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى