أطفالنا ورمضان في قبضة الوباء
شروق جعفر طومار
s_toumar@outlook.com
لم تكن بهجة الأطفال باستقبال شهر رمضان تقل عن بهجتهم باستقبال العيد بل ربما كانت تفوقها!
هو شهر كامل من اليالي التي سيسمح لهم فيها بالسهر وتجاوز الكثير من قوانين الأيام الاعتيادية، كالخروج بعد مغيب الشمس برفقة أبناء الجيران لشراء الحلوى من بقالة الحي، والاستغراق في لعب الحجلة أو كرة القدم في الشارع القريب لحين قدوم المسحراتي للحاق به على وقع قرع طبلته من بداية الشارع إلى أن يغادره.
كان ذلك قبل أن يجتاح عالمنا وباء كورونا وما رافقه من إغلاقات وإجراءات قلبت طبيعة الأشياء وسلبت من الأيام لونها وطعمها.
كان شهر رمضان يمثل مساحة غنية لإكساب الطفل عديد القيم والمبادئ.
شهر من الدروس المكثفة في الصبر والتكافل وصلة الرحم.
نجتمع على الإفطار في بيوت الجدات، نتعاون جميعا بناتا وأولادا في مساعدة الجدة لإعداد مائدة الطعام وتنظيف المكان بعد الأكل، نستمع لحكمة الأجداد في النصح والتوجيه، ونزور في أيام أخرى الأقارب والأصدقاء بعد الإفطار ونطرق أبواب المحتاجين لتقديم أي مساعدة متيسرة.
أما الذهاب للحديقة أو مدينة الألعاب فهو مكافأة للأبناء على صيامهم والالتزام بآداب الشهر الفضيل وأخلاقه.
كل أبواب الدروس تلك باتت اليوم مقفلة. لم يعد لدى الأطفال أي مصدر لهذه الخبرات، ولا أي متنفس للعب والمرح. المدارس مغلقة والحدائق ومدن الألعاب كذلك، وحظر التجول الليلي يحكم إطباق أبواب المنازل على من فيها.
ليس لديهم سوى أجهزة إلكترونية صماء درجت تسميتها بالأجهزة الذكية لكن المسمى الأكثر تعبيرا عن طبيعتها ربما يكون “الأجهزة الخبيثة”!
غابت كل أشكال ومعاني التعاملات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية.
يلتقي الأطفال عبر الجهاز الإلكتروني مع أصدقاء بعضهم حقيقين وآخرين افتراضيين في لعبة “بلاي ستيشن”، فلا تسمع منهم سوى الصيحات واللعنات والشتائم لنفاذ ذخيرة القتال في اللعبة، فيما يضع كل منهم السماعات على أذنيه فتخال أحدهم اذا مررت بجواره وكأنه يكلم نفسه!
هل جُنّ الولد؟ تسأل نفسك في صمت.. فتشعر بعد لحظات من التفكير أنك ربما تصاب أنت أيضا بالجنون إذا طال أمد هذه الغمة.
تحاول أن تُخرج أبناءك مما هم فيه باختلاق أي طريقة للتسلية فتدرك حجم عجزك عن تقديم ما تفقده أنت نفسك.
أي شيء ستفعله سيكون شبيها بالآخر. كل الأيام والأوقات أصبحت نسخة عن التي مرت وعن تلك التي ستأتي.
تشعر بالأسى على حظ هذا الجيل العاثر. لم يأخذوا أبدا فرصتهم في عيش الحياة والتعلم منها. وبالتأكيد لابد أن يفقدهم ذلك كثيرا من المعارف العامة والخبرات الحياتية والمهارات الشخصية والاجتماعية والقدرة على التواصل مع الآخرين.
تضطر لتفهم سلوكهم العدواني في معظم الأحيان وتمردهم على الضوابط وتجاوزهم أحيانا للأخلاقيات التي ينبغي أن تسود. تشعر بأن نفسك لا تطاوعك لتقويم سلوك طفلك إذا أساء أو معاقبته إذا أخطأ.
وكأن نفسك تهمس إليك قائلة “يكفيهم ما يعيشونه من وحدة وظروف قاسية وغير طبيعية؛ إنه أقسى عقاب يمكن أن يناله أحدنا من هذه الدنيا على ذنب لم يقترفه أي منا”!