أشبعناهم سباً..وباعوا الوطن ! / م. عبدالكريم أبو زنيمة

أشبعناهم سباً..وباعوا الوطن !

ما جرى في كثيرٍ من الدول العربية يتطابق تمامًا مع ما جرى في كثيرٍ من دول العالم الثالث التي كانت مُستهدفةً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأذرعها، ممثلةً بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسساتها المتدثرة بعباءات المساعدات الإنسانية، وهي في حقيقتها مؤسسات تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتنفيذ مخططات أمريكا في المنطقة، وهذا ما وضحه جون بيركنز في كتابه ” الاغتيال الاقتصادي للأُمم”، وملخص هذه المخططات هو إدخال هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة من خلال رشوة رؤساء وملوك هذه الدول وتشجيعهم على أخذ القروض الخارجية وتبذيرها وتشجيعهم على الفساد ومن ثم ابتزازهم بما يخدم مصالحها واستراتيجياتها.
ما جرى في الأُردن ليس بعيدًا عمّا كتبه جون بيركنز، فقد تناوب على إدارة شؤون الوطن حكومات لم تفكر باستراتيجيات اقتصادية تعتمد على الإنتاج الوطني للنهوض بالتنمية والاستثمار والتشغيل بل طبقت توصيات واشتراطات البنك الدولي وصندوق النقد بكل ما حملته تلك التوصيات من تدميرٍ مُمنهج للقطاعات الإنتاجية التي كانت تُعتبر من أهم الروافد المالية لخزينة الدولة وفي مقدمتهما قطاعيّ الزراعة والصناعة الحاضنين الرئيسيين للقوى العاملة محولين بذلك المجتمع الأُردني من مجتمعٍ مُنتج إلى مجتمع مستهلك، كما باعوا كل مقدرات الدولة التي كانت ترفد الخزينة بالأموال وبأبخس الأثمان ولم يبقوا موردًا للخزينة سوى جيب المواطن والضرائب التي اعترفوا أخيراً بفشلها، هُم من رعى وشجع الفساد بكافة أشكاله، هُم من قيدوا الحريات العامة وأعاقوا التنمية السياسية، وهم من حوّل الدولة من دولة ذات سيادة إلى دولة هلامية مسلوبة الإرادة والسيادة، وما برامج التصحيح التي كانوا يطالعونا بها صبح مساء، إلا برامج بيع للوطن بالتجزئة، هم كانوا يعرفون أكثر منا جميعًا أنَّ هذه السياسات كانت ستؤدي إلى هذا الفشل الحتميّ والانهيار الاقتصادي..لكنهم باعوا الوطن مقابل عمولاتٍ رخيصة.
بالمقابل وعلى مدار ثلاثة عقود من التدمير الممنهج للوطن لم تتوصل الأحزاب والقوى السياسية وكافة القوى الوطنية المتباكية على الوطن إلى برنامج وطني يتصدى لهذه السياسات اللاوطنية، وبدلاً من التوحد في جبهة وطنية واحدة والتوافق على برنامج عمل وطني ينقذ البلاد والعباد من نهج الفساد والتبعية والارتزاق نجد أنَّ الحزب الواحد أصبح ثلاثة، ومعظمها مخترقة ويينخرها الفساد، وأصبح كل من يطمح لمنصبٍ ما، يُشكّل معارضةً أو تجمع هنا أو هناك، الكل يهدد ويتوعد وبنفس الكلمات والخطابات والتحليل، لكن الواقع أنَّ الأمين العام للحزب يضحي بحزبه ليحافظ على موقعه، والصوت الهادر بالأمس يخبو اليوم إذا ما قُبض الثمن، النتيجة أنّنا نمارس نفس سلوك أولئك الذين باعوا الوطن .. هم فكروا بمصالحهم وامتيازاتهم ونحن كذلك..ألم تكن ثلاثة عقود من الفساد الممنهج والفج كافيةً لتحقيق نضج ووعي القوى الوطنية للتوحد للدفاع عن الوطن الذي ندّعي أنّنا نفديه ونضحي لأجله؟ للأسف أنَّ قوى المعارضة أشبه ما تكون بالأوركيسترا المُحترفة، إلا أنَّ كل عازفٍ فيها يعزفُ مقطوعةً مختلفة، وبذلك تصبح النتيجة نشازًا منفرًا لا يسمعه أحد، لذا؛ فنحن أيضًا شركاء في هذه المأساة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي وصلنا اليها، فقد أشبعناهم سباً وشتماً…لكنّهم باعوا الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى