أسـفاط / يوسف غيشان

أسـفاط
هل تذكرون ( اسفاط ) الشكولاتة المزينة بلوحات عالمية لنساء غير قانتات ؟ اسفاط بلا شكولاتة تقريباً إلا من بضع حبات مزينة وموزعة بشكل متناسق في الداخل . هذا السفط يكون في العادة من اكبر المعمرين في الحارة ، ويدخل بيوتاتها جميعاً ، بتآمر من الجميع …. جميع عائلات الحارة .
دعد ، مثلاً ، تشتريه من الدكنجي عودة الله وتلفه بورق الزينة وترسله إلى أختها فضية كـ ( واجب ) بعد نجاح سمية بنت فضية في التوجيهي ، فضية تخبئ السفط وتتربص حتى ينجو ” ابو إسماعيل ” من عملية إزالة البروستاتا فتتلقفه ام إسماعيل وعينها على جارتها ندى التي سكنت البيت الجديد . أما ندى فتهديه إلى دعد ( ما غيرها ) بمناسبة عقد قران ابنها على بنت أبو ماجد الوسطى . دعد التي يكتظ بيتها بالهدايا ، وبعد انتهاء ميمعة العرس ترسل سفط الشكولاته مع أطقم كاسات العصير وغيرها إلى التاجر عودة الله الذي يشتريها بنصف السعر ويعيد عرضها على رفوف دكانته الخشبية .
وهكذا تبتديء دورة حياة جديدة لباكيت الشكولاته العملاق ، فتشتريه ناجية وتهديه إلى بيت ابو صالح ، ويعود بعد المرور بمعظم بيوت الحارة إلى التاجر عودة الله مرة أخرى،ويظل السفط يتناسخ حتى يعثر عليه أحد الأولاد مخبأ تحت المنخل الجديد في قاع ( النملية ) ، فيفتحه . وعادة – لا بل غالباً – ما يجده منخوراً بالدود . وعادة – لا بل غالباً – لا يبالي الولد بالدود فـ ( يدرم ) السفط مع أخوته .
هنا تنتهي دورة حياة سفط الشكولاته ، بينما يتم تعليق الصورة ( اللوحة ) على الحائط . وقد علقت أمي لوحة الموناليزا على الحائط لسنوات وهي تعتقد أنها صورة السيدة العذراء ، حتى اكتشفتها أنا بعد أن صرت مثقفاً ( الحافظ الله ) .
نعود إلى ( الياذة ) الأسفاط .. الحق الحق أقول لكم أن ثقافة السفط هذه انتقلت معنا إلى العمل السياسي ، بعد أن اختفى السفط وحلت مكانه العصارات وكراتين البيض وزجاجات العطر ، إلا ان عقلية السفط ما تزال تلف حكوماتنا ، فالوزير فلان ينتقل بعد ( حل ) حكومة علنتان إلى حكومة ( علان ) و( علان ) حين يحل حكومته ينتقل معظم أعضائها إلى حكومة ( ابو الهيلمان ) وهكذا ، مع فارق بسيط ان أهالي الحارة يتشابهون في كل شيء ، أما هنا فالانتقال من ( نملية ) هذه الوزارة يتطلب تصريحات متناقضة ووجهات نظر مختلفة في كل شيء ومتفقة على الاستمرار في ثقافة السفط .
أما من ولد صغير يفتح ( سفط ) الحكومات ؟ .
من كتابي(برج التيس)الصادر عام1999

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. للأسف كلامك صحيح أستاذنا الكبير حفظك الله. سياسة التدوير في المناصب السياسية التي بدأناها بثقافة تدوير اسفاط (الحلو و الناشد و السلفانا) و الذي اوصلنا الى مديونية ٥٠ مليار دولار و………………يسافر بين الأقطار

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى