أسطورة الروح الرياضية

أسطورة الروح الرياضية / #يوسف_غيشان

تبعثرت الأرواح القديمة، ولم يتبق منها قيد الاستخدام سوى ما يسمّى بالروح الرياضية، مع أنها أكثر أسطورية وخيالية ولا واقعية من آلهة الأولمب وأمثالها … الجميع يستخدمها مع أن لا أحد يؤمن بها أو يصدق وجودها، لكن متطلبات التهذيب ومتطلبات المجتمع المدني وضرورات الإتيكيت العالمي تقتضي التظاهر بالتصديق بها والتعامل معها كأمر حاصل، لا محالة.
الروح الرياضية لم تختف مع الأرواح الأخرى المشابهة لأنها -ببساطة -لم تكن موجودة أبدا، منذ قابيل وهابيل، مرورا بالألعاب الأولمبية على مدار القرون، وليس انتهاء بأي مباراة رياضية، في أي مكان في العالم، انتهت للتو.
هذه طبيعة البشر: لا أحد يتقبل الهزيمة، ولا أحد يمتلك الروح الرياضية، لكن الإنسان يستطيع -إلى حد ما – أن ينافق ويدعي بأنه حضاري وطيب ويتقبل الهزيمة برحابة صدر وضمير، مع أنه في الواقع يتمنى لو يغرز آلاف الخناجر في صدر خصمه، حتى لو كان، هذا الخصم، أخاه أو أباه، أو أي واحد من الأسماء الخمسة.
قلت إن الإنسان يستطيع تقبل الهزيمة إلى حد ما، لكن التنافس يجبر الإنسان على خلع ثوب التمدن والعودة إلى طبيعته الأولى، مهما كانت درجة حضاريته … لاحظوا مثلا أن أكثر شعوب العالم اهتماما بالتهذيب والإتيكيت، هم أقل شعب في العالم يحفل بالروح الرياضية، أقصد الإنجليز طبعا، الذين ابتكروا شغب الملاعب أصلا.
طبعا ما يحصل في بريطانيا يحصل في أمريكا وأوروبا بأكملها كما يحصل، وكما سيحصل حاضرا ومستقبلا في الأردن ومصر والجزائر وكل مكان في العالم، لا بل ربما يكون أكثر الأشياء المشتركة بروزا بين البشر، لا يختلف فيه البريطاني المتأنق عن أحد أقراد قبيلة الزولو شبه العراة في افريقيا.
أكثر ما يضحكني هو إدمان المعلقين الرياضيين – خصوصا العرب- على تكرار عبارة الروح الرياضية بدون مناسبة عشرات المرات خلال المباراة، لا بل أنهم يكثرون من تكرارها حينما يحصل أي تماس يدوي بين اللاعبين، مذكرين الجمهور – وليس اللاعبين- بالروح الرياضية، وغالبا ما يدعون – على الهواء مباشرة – بأن الجميع أخوة، وما حصل جاء نتيجة الانفعال وقد تم تطويق الحادث وعادت الأمور إلى ( مجاريها ) وها هي الروح الرياضية تحلق فوق رؤوس الجميع، وفجأة يرتفع وطيس الخناقة ليشمل جميع اللاعبين والكادر الفني، وتنتقل عدواها للجمهور وتنخبص الدنيا، بينما المعلق الرياضي العربي ما يزال يلوك بأسطوانة ( الروح الرياضية ) المشروخة .
في الواقع أنا لا أمتلك حلولا، لكني أعرف أن أول طريقة للحل هي الاعتراف بالمشكلة وإدراكها عمليا …. علينا أولا أن نعترف جميعا بأن الروح الرياضية أسطورة … مجرد أسطورة … ثم نبحث معا عن الحلول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى