أسبوع الانفجارات الغامضة.. ما الذي يحدث في إيران؟

سواليف
امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة الفارسية، في يوم الخميس الماضي 25 يونيو (حزيران) بتساؤلات من الإيرانيين عن سر الضوء البرتقالي الذي شهدوه في سماء طهران، مصحوبًا بصوت انفجار مدوٍّ.

نشر البعض مقاطع مصورة، تظهر بوضوح لونًا برتقاليًّا منتشرًا في السماء الإيرانية، واستمر حتى صباح يوم الجمعة الماضية، عندما صرح وقتذاك المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية، أمير عبدي قائلًا للتلفزيون الحكومي، إن «انفجار غاز وقع في محيط المنطقة العامة للمجمع العسكري في بارشين»، المنطقة التي تضم أيضًا قاعدة عسكرية مهمة، ومجمعًا لتطوير الأسلحة.
لم تذكر الحكومة سبب هذا الانفجار الذي خلفه حريق كبير، سوى انه انفجار في خط الغاز الذي يمد المنطقة بالطاقة، لكن أهمية موقع بارشين، فتحت الباب أمام الكثير من التكهنات والشكوك.

مجمع «بارشين» الغامض
يعد مجمع بارشين من أكبر المواقع لتصنيع المواد النووية المتفجرة، كما أنه يضم مصنعًا لصواريخ الدفاع الإيرانية، وقبل التوصل إلى الاتفاق النووي لعام 2015، كانت إيران ترفض رفضًا قاطعًا، السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بزيارة موقع بارشين، معللين الأمر بأنه قاعدة عسكرية لا يحق لأحد الاطلاع عليها.

استمر الرفض الإيراني لطلب القوى العالمية بالسماح لتفتيش موقع بارشين في أثناء المفاوضات النووية، منذ عام 2013، إلا أنه وبعد إبرام الاتفاق في عام 2015، زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموقع مرة واحدة فقط، وقالت الوكالة في تقريرها في ذلك الوقت، إن الموقع كان فارغًا من المعدات، وفسرت الحكومة الإيرانية الأمر حينها بتجديد الموقع.

انفجار «بارشين» طال الصواريخ الباليستية
بعد عدة أيام، على وقوع الانفجار فى منطقة بارشين العسكرية، أظهرت صور الأقمار الصناعية، أن هناك انفجارًا آخر في «منشأة خجير» لإنتاج الصواريخ الباليستية، الذي يبعد عن قاعدة بارشين بحوالي 50 كيلومترًا، لكن طهران أصرت على أن الأمر لم يكن هجومًا تخريبيًّا.

زادت الشكوك أكثر وأكثر، عندما انتشرت الأخبار التي تفيد بانقطاع التيار الكهربائي عن مدينة شيراز يوم الجمعة أيضًا، حيث المدينة منشآت عسكرية مهمة.

يقول المحلل الاستراتيجي الإيراني، في حديث خاص إلى «ساسة بوست»، بشريطة عدم الكشف عن هويته، لحساسية الظرف، «في عام 2014، تعرض موقع بارشين لانفجارات قوية، ولم يعلن وقتها عن السبب الحقيقي، لكن الانفجار الحالي يثير الشكوك، خاصة مع إصرار الولايات المتحدة وحليفاتها إسرائيل، عن ضرورة تخلي إيران عن برنامجها الصاروخي، وإعادة التفاوض عليه».

انفجار «سينا أطهر».. مصادفة أم انفجار منشآت نووية سرية؟
كان الإيرانيون على ما يبدو على موعد مع سلسلة من الانفجارات الغريبة والغامضة، ففي يوم 30 يونيو الفائت، اشتعلت سماء شمال طهران – تحديدًا فى منطقة تجريش- بالنيران؛إذ وقع انفجار في خزانات الأوكسجين في مركز «سينا أطهر» الطبي، مما أسفر عن مقتل 19 شخصًا.


سارع المسؤولون الإيرانيون إلى تحميل المركز الطبي الخاص مسؤولية الانفجار، مصرحين بأن مجلس المدينة قد أرسل العديد من الإنذارات إلى مديري المركز الطبي، لوجود مخالفات تتعلق بالسلامة، لكنهم لم ينتبهوا إلى الأمر، وكان الانفجار هو النتيجة.

كان من المحتمل أن يمر انفجار المركز الطبي دون شكوك، إذا كان التوقيت مختلفًا، لكن الانفجارات في بارشين، وعدم تقديم إجابة مقنعة عن سببها، جعل البعض يشك في أمر انفجار المركز الطبي.

يقول الصحافي الإيراني آميد مسعود، لـ«ساسة بوست»: «ربط انفجار بارشين، بالانفجار في المركز الطبي، جعل البعض يشك في وجود منشآت نووية سرية في تلك المنطقة بجانب المركز الطبي، لكن الأمر بعيد عن الواقع تمامًا، هو مجرد صدفة، في توقيت غريب».

الانفجارات تتوالى! انفجار «منشأة نطنز» النووية
في وقت مبكر من يوم الخميس 2 يوليو (تموز) الحالي، أبلغ عن حريق هائل نتيجة انفجار في أحد المباني الجديدة، التابعة لمنشأة نطنز النووية في مدينة أصفهان الإيرانية.

المبنى الذي تعرض للانفجار، افتتح في يونيو 2018، ضمن خطة إيران لتقليص التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، ردًّا على انسحاب إدارة ترامب من الصفقة النووية في شهر مايو (أيار) 2018.

وجدير بالذكر أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قد اتهم إيران في وقت سابق من الشهر الماضي، بأنها تمتلك أجهزة طرد مركزي متقدمة، وهو ما يتعارض مع الصفقة النووية لعام 2015. الأمر الذي لم تخفه إيران، ففي العام الماضي، ووفقًا لخطتها لتقليص التزاماتها النووية، أعلنت أنها تعمل على أجهزة طرد مركزي من نوع (IR9) التي توفر لها تخصيب اليورانيوم بسرعة كبيرة، مقارنة بأجهزة (IR1) المسموح بها ضمن الاتفاق النووي.

ويرى بعض الخبراء الغربيون، أن هذا المبنى يوفر لإيران مضاعفة وتيرة إنتاج الوقود النووي، وأن الانفجار الواقع به، سيعطلها كثيرًا عن هذا الهدف. لكن في الوقت نفسه، نفى المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية حجم الخسائر المبالغ فيها، قائلًا إن المبنى كان خاليًا من أي أجهزة طرد مركزي.

لكن بعد الانفجار في أحد مباني منشأة نطنز النووية في هذا التوقيت المريب؛ ذهب البعض إلى أن الانفجارات المتتالية في أماكن حساسة داخل إيران، ما هي إلا هجوم تخريبي من قبل أعداء الجمهورية الإسلامية.

جماعة «فهود الوطن» تعلن مسئوليتها!
قبل الإعلان الرسمي عن الانفجار في منشأة نطنز، بساعات قليلة، أعلن عدد من الصحافيين في الخدمة الفارسية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى)، أنهم استلموا بريدًا إلكترونيًّا، أُرسل إليهم من مجموعة تطلق على نفسها اسم «فهود الوطن»، تعلن فيه مسئوليتها عن انفجار نطنز.

وبحسب تقرير «بى بى سى الفارسية»، فإن الجماعة جديدة، تدعي أن نشاطها داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، وأنها أرادت من وراء تفجير نطنز، منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتعطيل برنامج البلاد النووي. وأشارت «بى بى سى»، إلى أنها لم تستطع التحقق من وجود الجماعة، أو التحقيق في صلتها بما حدث في نطنز يوم الخميس الماضي.

يقول الصحافي الإيراني المقيم بطهران، لـ«ساسة بوست»، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، «من المستحيل، أن يكون داخل الأجهزة الأمنية مثل تلك الجماعة المنشقة كما تدعي، كذلك، يستحيل زرع عبوة ناسفة أسفل المبني كما أعلنوا، نظرًا إلى حجم التأمين والحراسة على الموقع».

من المحتمل أن تكون تلك الجماعة وهمية، ولا صحة لوجودها، لكن هناك احتمالًا آخر بأن من يقف وراء الانفجار في نطنز، هو الذي اختلق «فهود الوطن»، ويريد أن يشغل الرأي العام داخل إيران، أو يبعد التكهنات التي تقول إن الهجوم كان إسرائيليًّا.

إيران تتحفظ على أسباب الانفجار في «نطنز» ولكن!
في يوم 3 يوليو، أعلنت طهران أنها توصلت إلى الأسباب الحقيقية للانفجار في منشأة نطنز، فصرح المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي قائلًا: «السلطات الأمنية أصبحت تعرف سبب الانفجار، لكننا نتحفظ على إعلان التفاصيل، لأسباب أمنية، وسيجري إعلان السبب وكافة التفاصيل في الوقت المناسب».

تصريح السيد خسروي، زاد من الشكوك، التي تقول إن هجومًا سيبرانيًّا إسرائيليًّا وراء الانفجار، خاصة أن منشأة نطنز، تعرضت فى عام 2010، إلى هجوم إلكتروني كبير بواسطة إسرائيل والولايات المتحدة، فيما يعرف باسم عملية «الألعاب الأولمبية»، والذي استمرت آثاره لمدة عام.

لكن مصدرًا أمنيًّا إيرانيًّا رفيع المستوى، قال في حديثه إلى «ساسة بوست»، «هناك احتمالات تصل إلى نسبة 90% تقول إن نطنز تعرضت لهجوم إلكتروني من قبل الكيان الصهيوني، لكننا لم نعلن الأمر الآن ».

احتمالات المصدر الأمني السابقة، كررها مصدر حكومي مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والذي قال لـ«ساسة بوست»، بشريطة عدم الكشف عن هويته، «لا يمكن مشاركة الأدلة الآن، لكن نطنز تعرضت لهجوم سيبراني إسرائيل أمريكي، والهدف تدمير أجهزة الطرد المركزي التي حصلت عليها إيران، والتي انتقدتها كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل».

كانت تلك الاحتمالات بخصوص انفجار نطنز، لكن ماذا عن الانفجار الأول في مجمع بارشين العسكري؟ لم يوافق أي من المصدرين الحديث لـ«ساسة بوست»، عن أسباب انفجار بارشين.

انفجار «نطنز».. هجوم سيبراني أم عبوة ناسفة؟
بعد ساعات من حادث نطنز، نشر موقع «نور نيوز» المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، تقريرًا يتناول التكهنات بشأن الانفجار الأخير، ولم ينف التقرير احتمالية وجود هجوم إلكتروني إسرائيلي على المنشآت النووية.

انتهجت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، النهج نفسه في الإشارة إلى وجود احتمال كبير، بأن إسرائيل هي من تقف وراء الانفجارات في إيران. لكن في الجهة المقابلة، نقلت جريدة «نيويورك تايمز» عن مسؤول استخبارات الشرق الأوسط قوله إن الانفجار في نطنز كان عملًا تخريبيًّا عن طريق عبوة ناسفة جرى زرعها تحت المبنى الذي يضم أجهزة الطرد المركزي، مما يرجح إمكانية قيام إحدى الجماعات الداخلية المناهضة لإيران، بهذا العمل، أو صحة مسئولية جماعة «فهود الوطن»، عن الحادث.

لكن العديد من الخبراء داخل إيران يستبعدون هذه الفرضية؛ نظرًا إلى صعوبة وصول أي من الجماعات المناهضة للدولة إلى منشأة نووية، تتمتع بمستويات حماية عالية.

فرضية الهجوم السيبراني تبدو الأقوى
يرى المحلل الأمني الإيراني، مصطفي قديري، أن فرضية الهجوم السيبراني هي الأقوى من وسط كل الفرضيات، مشيرًا إلى الهجمات السيبرانية السابقة واتهام إسرائيل لإيران بمحاولة تخريب البنية التحتية المائية.

ففي 24 أبريل (نيسان) 2020، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن مرافق المياه والصرف الصحي الإسرائيلية، قد تعرضت لهجوم سيبراني، واتهم المسئولون الإسرائيليون إيران بالوقوف وراء هذا الهجوم.

حينها صرح الخبراء الإلكترونيون الإسرائيليون، بأن هدف الهجوم كان تغيير كمية الكلور في مياه الشرب فى إسرائيل، في محاولة إيذاء المدنيين.

بعد أقل من أسبوعين على اتهام إسرائيل لإيران، نشرت جريدة «واشنطن بوست» في 19 مايو (أيار)، أن ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس بإيران، قد تعرض لهجوم سيبراني، ونقلًا عن مصادر غربية، نقلت الجريدة أن إسرائيل هي من تقف وراء هذا الهجوم.

«واشنطن بوست»: على أمريكا أن تخشى هجمات إيران الإلكترونية بعد اغتيال سليماني
وبالرغم من أن إسرائيل لم تعلن صراحة مسئوليتها عن هذا الهجوم، فقد صرح مسئول سابق في المخابرات الإسرائيلية لموقع «المونيتور»، قائلًا «إن الأضرار التي لحقت بالميناء كانت كبيرة، والفوضى التي تسبب فيها الهجوم استمرت لعدة أيام».

حاولت الحكومة الإيرانية، التقليل من حجم الخسائر التي تسبب فيها الهجوم السيبراني الإسرائيلي، لكن منظمة الموانئ الإيرانية قالت حينها إن الهجوم اخترق أنظمة الأمن المركزي وعطل العمل في الميناء لمدة أيام.

بعد الهجوم الإسرائيلي على ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس، تعرضت إسرائيل في 21 مايو إلى هجوم إلكتروني كبير، وجرى اختراق الآلاف من المواقع الإلكترونية الخاصة بالشركات.

الحريق الرابع على التوالي!
وفي أحدث حلقة من سلسلة الحرائق والانفجارات الغامضة في إيران، أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية عن وقوع حريق كبير في محطة كهرباء مدينة الأهواز جنوب غرب إيران، يوم أمس السبت 4 يوليو. لكن مصطفى مشهدي، المتحدث باسم شركة الكهرباء الوطنية، صرح بأن سبب الحريق، هو زيادة الأحمال على شبكة الكهرباء في فصل الصيف.

وقد أكدت الجمهورية الإسلامية في إيران، أنها سترد بقوة، إذا حاول أعداء الجمهورية تخطي الخطوط الحمراء لإيران، وأن الرد على الهجمات السيبرانية جزء من قوة دفاع الدولة، فما الذي قد نشهده في الأيام القادمة؟

المصدر
وكالات
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى