
#أساطير_مقدسة
مقال الاثنين: 7 / 7 / 2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
الأسطورة هي حكاية تراثية، لا يعرف مؤلفها الأصلي، قد تكون أصولها مبنية على حدث تاريخي ثم جرى تضخيمه أو تصويره كبطولات خارقة خرافية مختلقة من أصلها، إنما تتناقلها الأجيال مع شيء من التعديل والتحديث، كتراث مرتبط بذلك المجتمع، وتصبح جزءا من هويته الثقافية، وقد تكون عابرة للمجتمعات.
الأمثلة كثيرة على ذلك: مثل قصة ليلى والذئب الموجودة في تراث أغلب الشعوب بصور مختلفة تتناسب مع بيئة كل شعب، ومثل قصص الأبطال الخارقين من محاربي الغيلان والجن، وقصص ابو زيد الهلالي والزير سالم في التراث العربي، وقصص آلهة الإغريق والرومان، وقصص القديسين من معتنقي المسيحية محاربي الكفار والساحرات عند الأوروبيين، ومن قاتلي الوحوش الخرافية كالتنين عند الشرق آسيويين.
قلة قليلة هم من يهتموا بها لقضاء وقت فراغهم، ويبقى جمهور تلك الحكايات جلهم من الأطفال، كتسلية ما قبل النوم، لكنهم عندما يكبروا ويعرفوا أنها مجرد حكايات خرافية ، يتوقف سحرها ولا تنطبع في وجدانهم.
لكنها ان ارتبطت بالمعتقد الديني، يصبح تأثيرها قويا ودائما في حياة الناس، فهي إذ ذاك تنال تقديسا، ويصبح تصديقها واجبا وتكذيبها هرطقة يعاقب من يقول به.
هذا الربط التقديسي يلجأ له عادة المستفيدون، وهم في العادة جهات ذات تأثير ولها منفعة، وهم القوى السياسية والقوى المالية.
فلو أخذنا أشهر أسطورة مقدسة وأكثرها تأثيرا شعبيا، وهي قصة بابا نويل، والتي ربطت بميلاد المسيح عليه السلام، وجعلت من أهم التقاليد الاحتفالية بهذه المناسبة، مع أنها كرواية مخالفة للمنطق العقلي، فلا يمكن اقناع حتى السذج من الأطفال بأن غزلان الرنة التي يسوقها بابا نويل قادما من القطب الشمالي وحاملة الألعاب يمكنها الطيران في السماء، كما ينقضها من الناحية المنطقية، كون المسيح ولد في منطقة ليس بها ثلج ولا غزلان رنه.
ومع ذلك يتواطأ الكبار على الكذب على الأطفال، ولا يجرؤ أحد على قول الحقيقة بأن القصة خرافية، ولا يحضر الهدايا ليلة الميلاد سوى الوالدين وليس بابا نويل، بل ويعاقب إن فعل، ففي العام الماضي فصلت معلمة في أمريكا من عملها لقولها الحقيقة للأطفال.
بالطبع من هم وراء تعميم تلك الخرافة هم الاحتكاريون الرأسماليون أصحاب المال، وليس ذلك محبة بالأطفال بل لتحقيق الأرباح الفلكية، فالموسم الاستهلاكي يتضاعف عشرات الأضعاف بسبب حجم الهدايا المنسوبة الى بابا نويل.
لكن أخطر تلك الخرافات وأعظمها ضررا على البشر، وبإسمها شنت كثير من الحروب المدمرة، وما زالت، فهي قصة هيكل سليمان.
ليس لهذا الهيكل أصل في أي كتاب سماوي، فالكتاب الوحيد الذي لم يطله عبث البشر (القرآن)، حدد بيوت الله بأربعة فقط: “لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا” [الحج:40]، كما أنه من غير المعقول أن يبني سليمان عليه السلام هيكلا لعبادة الله (الهيكل هو معبد وثني)، فالأحرى أن يكون مسجدا كونه وجميع الأنبياء كان دينهم الإسلام، لذلك فالأقرب للصحة أنه اعاد اعمار المسجد الأقصى ذاته لأنه موجود قبل هجرة ابراهيم ولوط من العراق الى بلاد الشام التي بارك الله فيها كونها حول المسجد الأقصى: “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” [الأنبياء:71].
كما أنه ليس له أي أثر أركيولوجي رغم التنقيب لعشرات السنين عنه، أصل الرواية الوحيد يعود الى “التلمود” الذي ألفه الحاخامان “آشي ورافينا الثاني” قبيل البعثة المحمدية، في زمن كان أغلب سكان المنطقة يعتنقون النصرانية، وكان الهدف التشكيك بالمسيح وبعقيدته التي رفضها اليهـ.ـود أصلا، والقول بأنه سينزل لنصرتهم على أعدائهم، لكن شرط نزوله اعادة بناء الهيكل المزعوم.
كانت هذه الأسطورة ستبقى مجرد أحلام تداعب خيالات الحالمين، لولا أن التقطها المستعمرالبريطاني، إذ تعلم درسا من سقوط الممالك الصليبية، فالاحتلال العسكري لا يدوم إن لم يرافقه تغيير ديموغرافي، لذا استنهض قصة أرض الميعاد، لجمع الشتات اليهودي في وطن قومي في فلسطين، متعهدا بحمايته ليشكل قاعدة متقدمة في قلب العالم الإسلامي، وبذلك تتحقق توصيات كامبل – بنرمان.
ولأنهم تمكنوا من غونمة شعوبهم، فقد أدخلوا هذه الأسطورة في العقل الجمعي الأوروبي – الأمريكي، لتصبح مرتبطة بالمعتقد المسيحي من غير تمحيص ولا تفسير.