أزمـــة الأمـــة العربيـــة

أزمـــة الأمـــة العربيـــة
موسى العدوان

في كتابه ” مجتمع الكراهية ” يشخّص دولة السيد سعد جمعه رحمة الله عليه، أزمة الأمة العربية كما يلي وأقتبس بعضا من فقراته :

” أن أزمة الأمة العربية هي أزمة ثقة، وأزمة أخلاق. الظاهرة السائدة هي فقدان الثقة بين أنظمة وأنظمة . . بين أنظمة ومنظمات . . بين جيوش ومقاومة . . بين تكتلات وأحزاب . . بين حكّام ومحكومين، وفقدان الثقة يؤجج الأحقاد، ويهيّج الكراهية، فتضيع الأخلاق.

وحين تتهاوى مقومات الأمة، تَضمُر شخصيتها، فتنصرف عن البناء إلى الهدم، عن الصدق إلى الكذب، عن التلاحم والتماسك إلى التفسخ والانحلال، عن مواجهة العدو إلى خديعة الطبع اللئيم واقتتال الأخوة، وانتهاك لُحمة الدم وشوابك الأرحام . . عن معركة المصير، إلى معارك جانبية مفتعلة، تأكل طاقاتنا، وتستنزف دمائنا، وتجعلنا عار الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

كل مصائبنا نفَذتْ إلينا من تفريغ مضامين حضارتنا، وغفلتنا عن مفاهيم تراثنا. أين حضارتنا من عمالات مأجورة، وصراخات مبهورة، وأبواق مسعورة، وصخب طفولي ؟ وأين تراثنا من صراعات يخبوء معها كل ضياء، وشعارات يضيع معها كل رجاء ؟ وهل يكون خلاص والراية في يد من استغنوا عن الصمود بالقعود، وعن الجهاد بالفساد، وعن المروءة بالصغّار ؟

هجَمتْ علينا أيديولوجيات الدنيا تنحت أثلتنا، وتمرّغ كرامتنا، وتجتث جذورنا، وتتركنا كغثاء السيل، قد أضعنا هويتنا في هدير تياراتها، وأنكرنا أنفسنا في ” دكاكين ” شعاراتها ودهاليز معمياتها وميمياتها. وحسبنا لجهلنا وفقر عقولنا وضحالة نفوسنا، أننا قد هتكنا أستار الغيب، وبلغنا أبراج السماء.

وطلعتْ شمس الحقيقة، فإذا الأجنحة التي طرنا عليها مع أوهامنا، شمع يذوب عند أول لمسة، وورق يهزأ بع الإعصار. وتحطمت أقنعة الزيف على أرضية الواقع، ويمسّنا العدو مسّة فنتهتّك ونتمزّق، وإذ بنا عشرون عاما، نركض في فراغ ونلهث وراء سراب. ضاعت الكرامة، ونفقت العزّة، وبقي لنا الخزي والعار !

وننظر اليوم، بعد رحلة الشقاء في قلوبنا المجرّحة وأحلامنا المصوّحة، في أيدينا المرتعدة، وسيوفنا المثلّمة، فنجد أننا خسرنا كل شيء يو خسرنا الإيمان، وأضعنا كل شيء يوم أضعنا حافز العقيدة والدين. وحين لا يكون إيمان، ولا يكون دين، لا يكون شرف ولا تكون نخوة، ولا تبقى أرض ولا أحبّة ! أخذنا عقائد الأعداء نستر بها عُرينا . . فعرينا، اقتبسنا مبادئ القوم، ننسج منها أمالنا . . فنسجنا بها أكفاننا !

قذفنا ما بيدنا من معطيات النبالة والأصالة، وحلية الرجولة والبطولة، لنملأها سحتا ومقتا ومهانة، فتعفرت منا الجباه، وأقفرت منا المنازل، وانحدرت الأنوف الشمّ حتى التصقت بالتراب، وآخر الرجال أشباه الرجال ! أردناها ثورة على العدو، فإذا بها ثورة على أنفسنا وعلى تاريخنا ! حسبناها ثورة انتقام، فإذا بها ثورة مذلّة وهوان !

أخذنا من ثورات الدنيا جميعا شعارا واحدا : نقطع ما أمر الله به أن يوصل، ننهى عن المعروف ونأمر بالفحشاء والمنكر والبغي، جهلنا كل خير، وتعلمنا كيف نهدم وكيف ندمّر، وكيف نحقد ونكره، ونشيد على الرمل، ونبني على صفحة التيار ! أنا يا أخي لا ألقي خطبة موت، بل أهتف من وراء الغيب، بفجيعة المؤمن، يُعذر قبل أن يسوق نذره الأخيرة كثمالة الكأس ! ” انتهى الاقتباس.

* * *
التعليق : هذا الكلام الذي أطلقة الأديب سعد جمعة ابن الطفيلة البارّ، والذي عبّر به متألما عن حقيقة الوضع العربي في ذلك الحين، ولم يكن يعلم أننا سنواجه وضعا أسوأ منه في هذه الأيام، بما اعتراه من سوء في الاستسلام، وسوء التصرف، وتنكر لحوافز الدين والخُلق.

رحم الله دولة السيد سعد جمعة رئيس وزراء الأردن الأسبق، الذي أعطى الأردن كل سنوات عمره بأمانة وإخلاص، فلم تمتد يده إلى المال العام، ولم يحفظ بمنزله عددا من القاصات، ولم يمتلك الأراضي والقصور، بل توفاه الله شريفا نظيفا يتقي الله، ولهذا يتم تجاهله في الأحاديث والأدبيات الأردنية هذه الأيام.

التاريخ : 8 / 11 / 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى