أزمة معلمين ام أزمة وطن؟ / د. عمار الخوالده

أزمة معلمين ام أزمة وطن؟

بغض النظر عن مدى عدالة مطالب المعلمين (ولا أخالها الا عادلة)، إلا ان ما جرى لهم من منعهم من ممارسة حقهم الدستوري بالاحتجاج السلمي ورشقهم بمسيل الدموع، امر يندى له الجبين ويؤكد مرة اخرى تجذر العقلية العرفية الديكتاتورية في ادارة الدولة … فوضع ابناء الوطن الواحد من منتسبي الدرك والمعلمين في تلك المواجهة المحزنة ليس الا مؤشر على ضعف منظمومة الاخلاق والقبم عند بعض متخذي القرار حتى استمرأوا ان يقسوا الاخ على اخيه وامام عدسات الكاميرات.
حق التعبير حق اصيل يكفله الدستور والقوانين والاعراف الدولية وهو غير قابل للتفاوض، غير ان السلطة التنفيذية بعضها، لا تقيم وزنا للدستور بل تلاعبت به مرارا وقبل سنوات حين “سلقت” تعديلات غير دستورية عليه ومررتها على عجل مريب وبسطوة قوى الظلام التي تقبع في الغرف المعتمة والتي فككت مؤسسات الدولة واحدة تلو الاخرى حيث صرنا نرى مدراء برتبة رئيس وزراء ووزراء لا يملكون فرادى او مجتمعين من امرهم الا ما تمليه عليهم تلك الاصابع الخفية المفضوحة في الغرف المعتمة تلك.
ثم انهم ما انفكوا يعبثون بمنظومة القوانين والتعليمات والاجراءات الناظمة للانتخابات النيابة فأضعفوا مدخلات المجلس حتى تكون مخرجاته محط سخرية المواطنين فتهتز هييته كما اهتزت هيبة الحكومة من قبل فلا يكون للناس الا ان يستغيثوا بمن خُطط لهم ان يستغيثوا بهم فنرزح تحت حكم الافراد الجبري لا المؤسسات كما اراد لنا دستور 1952 والذي تم الاعتداء عليه بسلسلة تعديلات سلبت التوازن الذي اراده جيل المؤسسين حين كتابتهم له.
ان شرعنة الديكتاتورية والظلم قد بلغت مبلغا يهدد كيان المجتمع والذي هو عماد الدولة وركنها المتين، فقانون الجرائم الالكترونية مثلا ليس الا ترسيخ للعسف والجور اذ ان الكلمة مهما قست لا تُخيف الا من ظلم وجار، وها نحن نرى رؤساء اكثر الدول تقدما محط سخرية الكوميديين على شاشات التلفاز كل ليلة وها نحن نرى اقطاب المعارضة في تلك الدول تكيل الاتهامات وتشير بأصابع التقصبر والنقد الحاد لرأس الدولة دون ان يطرق عسس السلطان بابهم فجرا فينتهك حرمة بيوتهم ويُفزع اطفالهم ثم يلقونهم في غيابة الجب.
هنالك من يتهم المعلمين بالتسبب بضعف العملية التعليمية وعدم القيام بواجباتهم والتكسب بالدروس الخصوصية .. الا ان مطلقي تلك الاتهامات يتناسون ان المعلمين هم نتاج منظومة التعليم العالي والذي جرى العبث به وبشكل فج خلال العقدين المنصرمين حتى اصبح الاستثناء في قبول الجامعات هو الاساس وتم انشاء جامعات “مناطقية” اصبحت ظلا للقبيلة ومرعىً لإبلها، ناهيك عن التدخلات الامنية المفضوحة في تعيين قيادات الجامعات والتي حطمت البنية الادارية السليمة لتلك المؤسسات التي عادة ما تتمتع باستقلال مالي واداري في كل دول العالم الحر.
ان الانحدار الذي مني به قطاع التعليم بشقيه المدرسي والجامعي في الاردن لمفزع واني لا أرى فيه الا جريمة بحق وطننا الذي نفتدي بالمهج والارواح … فحين تهتز ثقة الناس بالمدارس الحكومية ويصبح التعليم الخاص ميزة لا يقدر عليها الا الموسرون فذلك مؤشر على فشل الدولة في احد اكثر واجباتها الاساسية اهمية وهو فشل تتحمل مسؤوليته الدولة اولا وآخرا، فالمعلمون وهم ركيزة اساسية في بناء الاجيال الا انهم ضحية عدم توافر ادوات النجاح التي تمكنهم من اداء واجباتهم كما ينبغي كما انهم ليسوا الا نتاج نظام تعليم عالٍ هشٍّ اصبح ضحية رأس المال والتدخلات الامنية المفضوحة حتى اختل بنيانه وصرنا نرى بعض ادارات مؤسسات التعليم العالي تلك لا همَّ لها الا ان تروج وبشكل يدعو للسخرية والاشمئزاز لانجازات وهمية كتقدم مؤسساتهم على سُلّم تصنيفات “عالمية” لا قيمة لها او وزن، في حين تمارس كل انواع التضييق على اساتذة مخلصين ومبدعين فتحاربهم في ترقياتهم وحرياتهم الاكاديمية لانهم رفضوا ان ينصاعوا لثقافة القطيع وقيادة المرياع.
ان إصرار أصابع الظلام الخفية على كسرة شوكة المعلمين واهدار كرامتهم والتهديد ب “قرارات سيادية” لنذير شؤم على أصحابه، فما أفلح من أهان قومه قط وان التاريخ لحافل بالعبر وليس أجمل من قول عمر رضي الله عنه “لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهُديتَ فيه لرشدك ان تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى