#أزمة تعصف بالبحث العلمي وأطروحات #الدراسات_العليا في #الجامعات_الأردنية
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
يشكل #البحث_العلمي أحد أبرز مقومات ومعايير التقدم والتنمية في كافة #المجتمعات والدول، وبموجب المعايير العالمية المعتمدة فإن البحث العلمي وجدارته ومخصصاته وارتباطه بقضايا المجتمع ومشكلاته يشكل مؤشرا هاما على مدى التقدم الذي وصلت إليه الدول الحديثة. من هنا فقد أولت معظم الدول الأكثر تطورا في العالم أهمية خاصة للبحث العلمي واحتياجاته ومتطلباته وبيئته التي لا تقتصر على #الجامعات وإنما تشمل #المدارس وأساليب التدريس المستندة إلى مهارات تنمية التحليل والإبداع وحل المشكلات والخروج عن الأطر والأنماط التلقينية في التدريس والتعليم.
ولعل أحد الروافد المهمة المرتبطة بالبحث العلمي هي #الأطروحات والرسائل #الجامعية في مرحلة #الدراسات_العليا في الجامعات والمعاهد الأكاديمية والتي تشكل متطلبا أساسيا للتخرج في برامج الماجستير والدكتوراه. وفي الوقت الذي نرى جامعات عالمية ذات سمعه محترمة تخصص أموالا وموازنات عالية للبحث العلمي تدعم من خلالها مشاريع طلبة الدراسات العليا وتشجعهم على تناول قضايا ذات مساس مباشر بحاجات #المجتمع، فإن هذه الجامعات وحرصا منها على المحافظة على سوية خريجيها تعمل كل ما في وسعها لتشجيع طلبتها على اختيار وبحث موضوعات أصيلة جديدة ذات فائدة ونفع للعلم والوطن، كما تحرص أيضا على تدريب وإكساب طلبة الدراسات العليا مهارات متقدمة في منهجيات البحث العلمي وتقنياته وآلياته، لا بل تحرص هذه الجامعات على تطوير أساتذتها ومدرسيها من خلال المؤتمرات والندوات المحلية والعالمية ودعم بحوثهم العلمية وذلك من أجل مواكبة تطور العلم وتحديث معلوماتهم وتجديد مهاراتهم.
الوضع في #الأردن وعلى الرغم من ألإحصائيات التي تشير إلى أن الأردن هو الأفضل عربيا في الإنفاق على البحث العلمي والدراسات العليا، فإن ذلك لا يعني أننا بوضع مطمئن ومريح. الحقيقية أن الأطروحات والرسائل الجامعية في معظم الجامعات الأردنية بدأت تتراجع سويتها سواء من حيث الموضوعات المكررة التي يتناولها طلبة الماجستير والدكتوراه والتي لا تخرج في كثير من الأحيان عن تغيير في مصطلح أو مدرسة أو مؤسسة أو تناول تأثير عامل أو عوامل الجنس أو العمر أو الحالة الاجتماعية على اتجاهات الفئة المبحوثة نحو قضية إدارية أو تربوية أو اجتماعية أو غيرها وعندما تقرأ هذه الرسالة أو تلك تتساءل عن الفائدة التي تعود على المجتمع من هذه الرسالة وفيما إذا كان هذا العمل البحثي يدخل في باب العلم الذي لا ينفع.
من ناحية أخرى وربما الأكثر أهمية فإن مدى كفاءة وأهلية بعض الأساتذة للإشراف على الرسائل الجامعية أصبح موضع تساؤل واستفهام كبيرين وطبعا المقصود بالكفاءة ليس أن يكون الأستاذ الجامعي مؤهلا بالشهادة العلمية أو الرتبة ولكن المقصود هو تقادم معلومات هؤلاء الأساتذة والطبيعة المتكررة لخبراتهم العلمية والبحثية .فهؤلاء المدرسيين الذي سيقومون بتخريج حملة شهادات الماجستير والدكتوراه، والذين أنفسهم سيصبحون يدرسون ويعملون في الجامعات والمؤسسات البحثية والتدريبية ،يحتاجون إلى تطوير وتحديث أنفسهم ليقفوا على آخر ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا في العالم ليستطيعوا أن ينقلوا ذلك لطلابهم وليس لاستنساخ أنفسهم بالقدرات والإمكانات القديمة التي اكتسبوها قبل ثلاثون أو أربعون عاما معتقدين أن العلم والتطور قد توقف عند تخرجهم من الجامعة .
نعم كثير من المدرسين في الجامعات يتحدث عن خبرتهم ورتبهم الأكاديمية علما بأنهم لم يكتبون بحثا بعد رتبة الأستاذية ولم يحضروا مؤتمرا.ومثل ما هم أعضاء هيئة التدريس مقصرون في تطوير قدراتهم وإمكاناتهم بالإطلاع على المستجدات في علومهم خصوصا بعد هذا التطور في مجال الانترنت ومواقع النشر العلمي الإلكتروني فإن الجامعات أيضا هي مقصرة جدا في دعم حضور المؤتمرات وخصوصا الخارجية منها نظرا لكلفتها المالية مما وضع قيودا وشروطا كثيرة ومرهقة لحضور المؤتمرات التي اقتصرت في معظم الأحيان على المشاركة بورقه علمية علما بأن المشاركة قد تكون أيضا جد مفيدة بدون ورقة علمية حيث أن الفائدة يمكن أن تتحقق إذا استطاع عضو الهيئة التدريسية أن يعرف أين وصل العلم في مجال حقله والتطور الكبير الذي حصل منذ تاريخ تخرجه من جامعته مما يدفعه لتحديث تدريسه ومعلوماته. من المؤسف حقا أن ترى بعض الأساتذة الجامعيين في مراحل الدراسات العليا والبكالوريوس يقومون بتدريس ليس علومهم وتخصصاتهم الفنية ولكن تاريخ علومهم في التربية والعلوم الاجتماعية والإنسانية والإدارية وحتى في بعض العلوم الطبيعية نظرا لكونهم غير مهيأين لتدريس آخر ما وصل إليه العلم في حقولهم.
إن عدم إسناد الإشراف للمؤهلين والمتخصصين من ألأساتذة وعدم إعطاء الأهمية اللازمة للرسالة والإشراف عليها ومتابعة الطالب وتوجيهه، ونظرا لإشراف الأستاذ على عدد كبير من الرسائل فإن الأمر يصبح غاية في الصعوبة في إخراج رسالة ماجستير أو دكتوراه ذات محتوى وقيمة ونفع. لا بل فإن بعض الأساتذة المشرفين لا يقرأون رسالة الطالب بشكل كافي ويتفاجئون في أثناء المداولة والنقاش للرسالة بأخطاء منهجية رئيسة أو بسرقة علمية من مصادر أو رسائل أخرى.
أما الأكثر إيلاما في مجال الأطروحات والرسائل الجامعية فهو بالإضافة إلى ما سبق قيام عدد لا بأس به من الطلبة باستكتاب آخرون لإعداد رسائلهم مقابل الأجر المادي وقد أصبح مألوفا أن ترى مكاتب خاصة وعليها إعلانات بخصوص إعداد الرسائل الجامعية وما على أي مهتم بشأن البحث العلمي والدراسات العليا إلا أن يذهب للشوارع والطرقات المحاذية والخلفية لمعظم الجامعات ليرى بأم عينه هذه الإعلانات “والبزنس” الرائج والمربح لهذه المكاتب . في ظل هكذا أوضاع تصبح بعض الرسائل الجامعية والإشراف عليها والشهادات التي يحملها أصحابها والتهاني والاحتفالات التي تتبعها كلها وهمية مزوره وفارغة من المحتوى والمضمون وتصبح ديكور اجتماعي يتباهي به الخريج أمام أقاربه أو عندما يتقدم لخطبة شريكة العمر.نعم تصبح هذه الشهادات رخص قيادة وسوق ولكن دون معرفة وإلمام بأسس وفن ومهارات القيادة ثم يتقدم هذا الخريج ليدرس في الجامعات والمدارس والمؤسسات العلمية والبحثية ويشكو ألمه وتظلمه من عدم تعيينه والتمييز ضده وفاقد الشيء لا يعطيه.
البحث العلمي وأطروحات ورسائل الدراسات العليا بحاجة إلى إعادة نظر شاملة يا رؤساء مجالس أمناء جامعاتنا ويا رؤساء جامعاتنا وذلك ابتداء من تطوير وتحديث أعضاء الهيئة التدريسية من خلال دعم حضورهم للمؤتمرات العلمية وخصوصا الخارجية والدولية منها، إلى تجريم السرقة العلمية وعدم التهاون معها واختلاق الأعذار للطالب، إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بجعل الإشراف على الرسائل موضوع جاذب ومجزي ماديا ومعنويا للمدرس، إلى إتحاذ إجراءات صارمة بحق المكاتب التي تعد الرسائل والبحوث الجامعية مقابل الأجر والتي تفتح أبوابها أما الجامعات وتحت نظر رؤسائها ومدرسيها وطلبتها. نعم هذه قضايا غاية في الأهمية والحيوية التي تدخل في صميم رسالة ومهام عمل مجلس أمناء الجامعة ورئيس الجامعة وعمدائها وليست مهام هذه القيادات التركيز على الجزئيات وتسيير الجامعة يوما بيوم والتعامل مع رسالتها ومهامها التعليمية والبحثية والاجتماعية بطريقة وذهنية بيروقراطية تقليدية تركز على الوسائل والإجراءات والتعليمات المتقادمة الجامدة التي تعتمدها عمادات البحث العلمي والدراسات العليا في برامجها ومتطلباتها على حساب الغايات والمقاصد السامية لهذه البرامج.