أزمة الإسلام السياسي 1/2 / د. هاشم غرايبه

أزمة الإسلام السياسي 1/2

بداية يجب ان أوضح المقصود بالإسلام السياسي، لأن معظم المعادين للإسلام جهلا به أو فهمه بشكل مخطوء أو تعصبا ضده، يعتقدون أنه يعني الإخوان المسلمين، ربما لكونهم فصيلا سياسيا يعلن أن الإسلام منهجه.
الإسلام ما أنزله الله ليحبس في المساجد، أو ممارسة طقوس تعبدية، ولا ليكون مجرد دائرة رسمية تسمى الشؤون الدينية، بل هوعقيدة متكاملة الأركان، ومنهج حياة الفرد والجماعة والمجتمع الإنساني ككل، وظيفته الأساسية تنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات وفق أسس ثابتة تسمى الشريعة، وتسعى من خلالها الى إسعاد الناس وربطهم ببعض بعلاقات الأخوة والمساواة والمحبة، وإزالة العوامل المؤسسة للنزاعات وحل المشكلات.
أليس ذلك هو المفهوم الأشمل للسياسة؟، ولماذا وُجد الإسلام إن لم تكن هذه الأمور من اهتماماته، وماذا يتبقى منه إن نزعت منه هذه المهام؟
الإسلام كيان متكامل من المبادئ والتشريعات والآداب الناظمة لحياة البشر، من سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية، وبما أنه لا يمكن تطبيق ذلك إلا بسلطة حاكمة، لذا فالإسلام سياسي بامتياز.
طالما أنه كيان غير متجزيء، فلا يمكن تطبيق الجانب الإجتماعي مثلا وترك الإقتصادي، فمن أين جاءت تلك التصنيفات للإسلام؟، فيقولون هذا إسلام معتدل وذاك سياسي! مما يعني أنه غير معتدل.
بعد قرون من معاناة الرومان في حروبهم مع الدولة الإسلامية، تابع ورثتهم من الدول الأوروبية الصراع، وتمكنوا عام 1924 من القضاء على الدولة العثمانية، آخر نسخة إسلامية، وصمموا إثر ذلك على منع تشكيل الإسلام لكيان سياسي لأنه عقيدة قوية جامعة كابحة لأطماعهم التاريخية في المنطقة، جغرافيا قسموا أراضي الدولة العثمانية، وثقافيا أذكوا النزعة القومية لتكون بديلا عن الدينية، وفكريا أشاعوا العلمانية لعزل الدين وإبعاده، وسياسيا حددوا مهمة أساسية لكل نظام بمنع تشكل جماعات اسلامية، وصدرت قوانين تجرم أي تجمع تحت عنوان إسلامي.
من هنا نشأ تجريم إنشاء أحزاب إسلامية، فكان التحايل على تلك القيود بتشكيل ما دعيت جماعة دعوية سميت الإخوان المسلمين، حصلت على الشرعية تحت هذا المسمى، لكنه كان غطاء للعمل السياسي، لذلك بقوا تحت الحصار والملاحقة لإضعافهم في مصر والأردن أما في باقي الأقطار فقد تعرضوا للقمع الشديد، كما نشأت جماعة أخر تحت مسمى حزب التحرير أعتُبرت خارجة على القانون، وجُرّم الإنتماء لها بسبب إعلانها أنها تنوي إعادة الأمة للدولة الإسلامية.
لجأ البعض الى تشكيل جمعيات خيرية كغطاء لعملهم الدعوي غير السياسي، لكن أجهزة القمع المخابراتية العربية وبالتنسيق مع الغرب، اكتشفت خطورة أنها اكتسبت ثقة الناس بالدعاة الإسلاميين وأدت الى تشكيل الصحوة الإسلامية، خاصة مع فساد وفشل الطغمة الحاكمة منذ قرن ضمن خطة ابعاد الناس عن منهج الإسلام.
في عام 1994 أعلن كلينتون أمام مجلس النواب الأردني إثر توقيع معاهدة وادي عربة، تصنيفا للإسلام، فالمقبول هو الإسلام الوديع الذي يهتم بأداء العبادات الفردي فحسب، أما الشرير فهو الإسلام السياسي، بعد ذلك تم استصدار قوانين جديدة أكثر وحشية وقمعا تحت مسمى تجفيف منابع الإرهاب (وهو المسمى الجديد للإسلام السياسي)، شُرّع فيه ولأول مرة في تاريخ البشرية إعدام الشخص المسلم تحديدا، وبلا محاكمة لمجرد الشك في نواياه.
وهكذا دخل العداء للإسلام مرحلة جديدة، فبعد المحاصرة والتضييق، أصبح النهج استئصاليا.
وللموضوع بقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى