أرصفة المدارس … موت يسرقهم/ ديما الرجبي

لم نعلم يوماً بأن الموت أقرب إلينا من أي وقت مضى ، ولم نتعلم كيف نواجه ما هو قدري وحتمي لأن الموت حق .

لكن ما ليس حق هو أن نلقي بهم إلى التهلكة دون أدنى تحرك مجتمعي ومؤسساتي وحكومي للوقوف على أهم ما يشهده الأردن في هذه الفترة العصيبة والكارثية على جميع الأصعدة ” ظاهرة العنف في المدارس ” .

كلاهما ” ضحية ” القاتل والمقتول، ضحية منظومة فقدت أدنى قيم الأخلاق والدين والإنسانية وتفردت في الأنا المُطلقةَ، منظومة خلقت فراغاً يكفي لأن يداعب مراهقتهم وهرموناتهم وطيشهم، وصنعت من عوالمهم الإفتراضية حقيقةً يتدفق الأدرينالين إلى قمم رؤوسهم بمجرد أن تدب بهم حماسة اللحظة .
تلك الأرصفة المدرسية لم تشهد في زمن لم يكن في “العصرالحجري” إلا لعب كرة القدم والحجلة والكرات الزجاجية واللهو وبعض الكدمات الناتجة عن مشاجرة ذات “أيدي بيضاء” ، تنتهي بصوت معلم أو حارس المدرسة أو طالب حكيم ، لم نعهدها مسرحاً للقتال واستنزافاً للأرواح ومعابراً للقهر والحسرة على فتية بعمر الزهور .
الحرم المدرسي يتعرض لإغتيال لقيمته وأمانه ورسالته، ومن يدفع ثمن هذه الفاتورة ؟ تلك اللطمات التي يتم تجاهلها ، أنتجت خسائراً ما زالت أرقاماً نستطيع تداولها ، ولا نستطيع تحمل زيادتها .
من يتحمل وزر تلك الدماء الشابة ، وهذه النفوس الضعيفة من التنمر، وهذه الشخصيات “الغاضبة ” من التعنيف؟
الإنتظار في هذه المرحلة العصية على الإستيعاب ، جريمة والسكوت على سلوكيات أبناءنا وعدم التفرغ لهم جريمة أكبر.

حاضروهم تحدثوا إليهم، جيل الفضاء الإلكتروني بحاجة ماسة إلى أرض صلبة يقفون ويشعرون بثبات أقدامهم عليها ، جيل الأدرينالين بحاجة إلى إحتواء وصبر، بحاجة إلى ضبط من داخل المنزل والمدرسة، بحاجة إلى سماع المعلم وهو ينصح لا يشتم ويلوح بالعصا، بحاجة إلى ساعة تفرغ للتحدث عن الأصدقاء وأحداث كل يوم ، بحاجة إلى قتل الهواتف النقالة وقطع الإنترنت والبدء بمنظومة ” العقاب والثواب “.

أوجعنا ما حدث في أبو نصير وما حدث سابقاً من تصوير في حرم مدرسي لقتال بالأقدام والأيدي ، غياب الوعي في ابناءنا وتهميش المسؤولية والإنسانية يعني فقدان التوازن لديهم ، وهو ما ينذر بالخطر وأي خطر ؟ أرواح تُفقد وقلوب تتلوى حسرة ..
لا أعلم هل نقامر بجيل كامل لأجل ماذا ؟ ومن سيتحمل المسؤولية ؟ ومن يسلم من تعرض فلذة كبده لذات المصير ؟

في فلوريدا خرج اليوم الآلاف من طلاب المدارس للمطالبة بتشديد قوانين حمل السلاح ومن شرق الولايات المتحدة إلى غربها، أضرب الطلاب عن الدراسة لمدة 17 دقيقة فقط للضغط على صناع القرار لتعزيز أمن المدارس وتقييد حمل السلاح.

وهذا الإضراب جزء من حركة ظهرت بعد الهجوم على ثانوية فلوريدا ، وطالب نشطاء بفرض قيود جدية ورادعة على حمل السلاح .

ومن حق طلبتنا وأبنائنا أن يصدر اليوم حلاً جذرياً يضمن سلامة عقولهم وقلوبهم وأرواحهم ، دون اللجوء إلى حلول مؤقتة، اولئك ابناؤنا وليسوا رغيف خبز نساوم على أهميته .

والله المستعان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى