أدب الشَّوارع
سالم محادين
في السُّوقِ حِكاياتٌ مُختلِفةٌ، مُتناقِضةٌ، مليئةٌ بالشُّجون، حافلةٌ بازدحام الخُطى المُثقَلَةِ بالكَد، وعامِرةٌ بأفئدةٍ تحمِلُ بين النَّبضةِ والأخرى تفاصيلَ أملٍ لطيف وأحلامًا لا تتوقَف وربما أمنيات لحظيةً كعلبةِ ذُرةٍ رديئة الجودة أو وجبةٍ ساخنةٍ لطفلٍ بريء.
على الأرصفةِ أيضًا وفي الشوارعِ أُشاهِدُ في كُلِّ جولةِ تَسَوُقٍ عديدَ اللقطات التي تستحقُ التامُلَ و الكتابةَ والعبثَ السٌَخي بالخبراتِ الكامنةِ في داخلي لألجأ لها كُلما استَفزَّني شيبٌ جميلٌ غطى رأسَ رجلٍ لم يبلُغ من السِّنِ ما يستدعي كُل هذا النقاء، أو كُلما أرَّقني أسلوب موازنةٍ في الإنفاق تُمارسهُ إحداهُنَّ داخِل سوق الخُضار، أو حين طلب طفلةٍ من أمها لعبةً بدينارينِ سيؤدي شراؤها إلى كارثةٍ في ميزان الإيرادات والنفقات ( المُتهالك أصلًا ).
ألتَقِطُ الفكرةَ أو المشهد ويُخَزِنهُ عقلي إلى ألتقي بقلمي في المنزلِ فنبدأُ معًا الرَّسم أو لِنقُل إفراغ الذاكرةِ الوقتيةِ من مُحتواها الذي يحمِلُ في الغالب احداثًا بائسةً تبعًا لضيقِ الحال والآلام التي يحياها المواطِنُ من الناحيةِ الاقتصاديةِ فتتركُ أثرها على المعالِمِ والأحداثِ وحتى على اسفلت الشَّوارع الغارقِ في مَطَباتٍ تَخُضُّ الأشخاص والسَّيارات أيضًا، في آنٍ معًا.
أبرز الصُّعوبات التي أواجِهُها تتمثلُ في قُدرتي ( لا أحِبُها ) على استعادةِ وجهي أبي وأمي مع كل الوُجوه التي تُشابههم في ذاتِ الكفاح و التَّعب وذات المسافاتِ الفاصلةِ بين طُهر اللقمة وعِفَتها من جهةٍ وفُسق الرأسماليين وأبناء الذوات من جهةٍ أُخرى، وهُنا أستذكرُ المقولةَ التاليةَ للأديب المصري الدكتور أحمد خالد توفيق حيثُ قال، ( إن تنوُع الوجوه يوجد فقط حيث الثراء والترف، أما الفقر والبؤس فيجعلان الوجوه تتشابه في كل مكان في العالم ! )
يُتعِبني السوق كثيرًا ويُلهمني أكثر، أخرجُ منه دومًا بنصٍ أو قفشة، لا أشعرُ فعليًا بذلكَ الأثر على الفور ولكن بمُرور الساعات تستَقِرُ الفكرة فيبدو المشهد في مُخيِلتي كأمرٍ يستحقُ البوح فيه والتعبير عنه، آملًا أن أتمكنَ يومًا من تحويلِ هذه اللقطات إلى مكتوباتٍ ومقروءاتٍ دون أن أُفقِدَها ( بتقنينِ الحرفِ ) عَفويَتها.