أخطاء قاتلة في التخاصية / سلامة الدرعاوي

أخطاء قاتلة في التخاصية
الاقتصاد الوطني خليط من السياسات والإجراءات التي نفذتها حكومات على مدى عقود، أصاب بعضها النجاح وبعضها الفشل، ولا يعني ذلك أن الأمور انتهت وتوقف العمل بسبب إخفاقات حدثت بقصد أو دون ذلك.
الاقتصاد الأردني بفضل تكاتف جهود القطاعين العام والخاص استطاع أن يؤسس كبريات الشركات في المنطقة مثل البوتاس والفوسفات، وبات أنموذجا في الإدارة العامة بفضل القوى البشرية المؤهلة التي غزت أسواق الجوار وساهمت فعليا في بناء هذه الدول في شتى المجالات.
في المقابل، نفذت الحكومات المختلفة خلال العقدين الماضيين سياسات اقتصادية ساهم بعضها في معالجة اختلالات مالية مزمنة مثل العجز والخروج من نفق المديونية المظلم، الذي كان يسيطر على الاقتصاد الوطني، ومع ذلك حدثت بعض الاخفاقات في عدد من السياسات أثارت استياء واحتجاج الرأي العام، بسبب ضياع فرصة تعظيم الاقتصاد الوطني لفوائد وايجابيات كان بالإمكان أن تكون أكبر مما حصل، ومثال على ذلك التخاصية.
وهي مثل غيرها من السياسات التي نفذتها الحكومات تحمل الايجابيات والسلبيات، ولا يجوز وصف من ينتقدها بأنه ضد الدولة وضد الاستثمار، على العكس تماما الجزء الاكبر الذي ينتقد التخاصية لا ينتقدها من منطلق ايدلوجي، بل لشعورهم بأن الحكومة تخلت عن معظم أسهمها في الشركات التي تم خصخصتها دون معرفة الاسباب التي دعتها لاتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الذي تحققت فيه اهداف التخاصية من تلك الشركات.
على سبيل المثال لا الحصر، شركة الاتصالات الاردنية، الحكومة باعت 40 بالمائة من اسهمها الى اهم شريك استراتيجي في العالم وهو تحالف “فرانس تيليكوم” بمبلغ 508 مليون دولار، حينها بدأ الاستثمار في القطاع يكبر وتنوعت الخدمات وتطورت بسرعة كبيرة، وارتفع عدد العاملين فيه لأكثر من عشرة الاف عامل، وتجاوز الاستثمار الكلي في بنية القطاع المليار دولار، والحكومة احتفظت بغالبية اسهم الشركة، وتولد لها ايراد كبير نتيجة الارباح الهائلة من جهة، والعوائد المترتبة على رسوم الرخص والضرائب وغيرها من جهة أخرى، ورغم كل ذلك ذهبت الحكومة وباعت جميع اسهمها و”دللت” عليها في البورصة وعلى الشركات بأسعار متفاوتة دون معرفة لماذا تبيع اسهمها المربحة في إحدى أهم الشركات التي تم خصخصتها وحققت نجاحا كبيرا.
لماذا تخلت الحكومة عن حصصها المؤثرة في الشركات المربحة والمخصخصة؟، لماذا لم تحافظ الحكومة على ما سمي حينها بالسهم الذهبي؟، لماذا استعجلت الحكومة في التخلص من ملكياتها في الشركات المخصخصة؟، لماذا يحصل الشريك الاستراتيجي على حقوق حصرية في الادارة والتسويق والمبيعات والانتاج للشركات التي خصخصت، رغم عدم تملكه لغالبية الأسهم؟، اسئلة مشروعة تبحث عن إجابات منذ سنوات، ولم تقم الحكومات بتوضيحها.
هذه هي الانتقادات الحقيقية لبرنامج التخاصية، والذي يحاول البعض الالتفاف عليها بالحديث عن اشكاليات مثل اسعار الاسهم والاطار القانوني الذي تمت به، كلها محاولات مدعومة من جهات مختلفة لعدم الاجابة على الاسئلة الحقيقية، في النهاية في الاقتصاد هناك من يخطئ وهناك من يصيب، ولا داعي للتشديد على من يتحدث عن الاخطاء، فلا يمكن معالجة الاختلالات المزمنة في الاقتصاد الوطني دون الاعتراف بتلك الاخطاء التي ارتكبت سواء عن قصد أم غير ذلك، المهم أن تكون الرغبة صادقة في معالجة الأمور وتصحيحيها.
Salamah.darawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى