أخت الرجال / د . ديمة طهبوب

أخت الرجال
في بداية شبابي كنت استغرب من احدى قريباتي في الخمسينيات من عمرها وكانت جدة وأرملة تسلم على كل اقاربها من الرجال فلما كنت اراجعها في الموضوع كانت تقول «يا بنيتي كلهم خواني وانا ربيت بعضهم والباقين بينا عشرة عمر»! ظللت اشاكسها دائما بالحكم الشرعي واذكرها، ولكني فيما دون ذلك كنت معجبة أشد الاعجاب بتلك العروة والرابط والآصرة التي كانت تجمع تلك السيدة بمن حولها من الرجال، رابطة تشكلت في ظروف صعبة من البداوة والتهجير واللجوء والسفر وقلة ذات اليد فكان لا بد لنساء تلك المرحلة ان يعتمدن على من يجدنه من الرجال اعتماد الأخت على أخيها، وكان لا بد للرجال ان ينزلوا النساء منازل اخواتهن رحمة واحتراما، فظهر المصطلح الذي قدمه المجتمع في موضع الفخر والإعلاء «أخت الرجال»، فكان الشرف لمستحقيه على الجانبين رجالا ونساء فليس اي امرأة ترقى لهذه المنزلة وليس اي رجل يؤتمن على المرأة، وبهذه المنظومة عبر المجتمع فترات صعبة سبقت المدنية والحضرية والتطور الى بر الأمان فلم نكن نسمع عن الأمراض النفسية والاجتماعية في العلاقة بين الجنسين بل كانت حالة صحية في مجتمعات كانت تعلي من قيمة الانوثة والذكورة ولا تراهما مجرد رمزين جنسيين قد يؤدي اي اجتماع بينهما الى كارثة!
لقد عايشت السيدة عائشة موقفا مشابها وظرفا صعبا واستثنائيا عندما وجدت نفسها وحيدة بعد تأخر دابتها في العودة مع الجيش فكان لا بد ان ينجدها ويرافقها الصحابي صفوان رضي الله عنهما، لقد وضع الله أم المؤمنين في موقف تحتاج فيه معونة الرجال وكان في تطورات الموقف ما علم الأمة الاسلامية جمعاء درسا أن اجتماع الخيرين من الرجال والنساء فوق الشبهات والتقولات وظنون من لا يرون أبعد من أنوفهم!
كانت قريبتي تتبادل الحديث مع اولئك الرجال ومنهم من كان من ابناء عمومتها الاباعد او ابن قريتهم وجارهم وتسألهم عن العائلة فردا فردا واحوالهم وتطورات الحياة معهم، تبهدل بعضهم على التقصير، وتنصح الآخر وتمازح آخر وكلهم يحج الى بيتها فتطبخ لهذا وتكرم ذاك وتسير في جاهة آخر وتصلح بين آخر وزوجته، كانت امرأة كبيرة القدر والفعل وما زال فيها عزم وحيوية ولم تصل سن القواعد من النساء ولم تظهر عليها علامات الشيخوخة بعد!
فهل كان في حديثها معهم خضوع في القول ام قول معروف بصدر منشرح وبسمة تجعل كل من يمم شطر بيتها يعود سعيدا مرتاح البال وقد قضت حاجته عونا او اصلاحا او مجرد استماع لمشاكلهم.
لقد فعلت خولة بنت ثعلبة قبلها ذات الشيء فاستوقفت عمر بن الخطاب، وهو خليفة في الشارع تحادثه وتنصحه وتأمره!! أيمكن لأحد أن يقول ان هذا ليس من أخلاق الاسلام او امر خارج عن الحدود؟!
قد يقول قائل ليس كل الناس هكذا وبعض الناس في قلوبهم مرض فنقول الفاصل في الموضوع اذن ان تختار المرأة المجتمع الذي تعمل وتتواجد فيه فيكون كل قول معروف وكل عمل معروف وقد قيل في تعريفه المعروف شيء هين وجه طليق وكلام لين وفعل قويم.
بهذه النفسية تنطلق طاقات المجتمع رجالا ونساء بلا حرج ولا حساسيات ولا اهتمام بسفاسف الامور، بهذه النفسية تتعالى الافكار والمشاعر لتدور في فلك التعاون على الخير ولا تسفل بالتركيز على الشهوات!
حتى تكون هناك أخت رجال لا بد ان يكون هناك رجال على قدر هذه المنزلة، ولا بد ان تكون امرأة تستحق ان تكون اختهم وتعينهم على الارتقاء وبلوغ المعالي.
حتى من يعملون في الخير ويأمرون بالمعروف ليسوا ملائكة بل بشر خطاؤون ولذا جعل الله فسحة في الاستغفار والذكرى والمراجعة وتجديد النوايا وذلك كله ليس لنجلس في بيوتنا في عزلة المطهرين وانقطاع الرهبان وانما لنخالط الناس رجالا ونساء فنحسن مرة ونسيء اخرى حتى يستوي عود القلب على الايمان، وعود الجسد على الطاعة، وخدمة الناس وتلك طبيعة البشر التي يحمدها الحديث «مثل المؤمن كالسنبلة تستقيم مرة وتخر مرة» تسدد وتقارب حتى تلقى الله فيقبل حسنها ويضاعفه ويغفر تقصيرها ويتجاوز عنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى