أخاصمك في النهار وأحضنك في الليل

أخاصمك في النهار وأحضنك في الليل

د . فيصل القاسم
عندما تسمع وسائل الإعلام التابعة للجنرالات العرب الذين يحكمون بعض الجمهوريات العربية وهم يهاجمون الجماعات الإسلامية المتطرفة تأخذ الانطباع أنهم ألد أعدائهم وأن بينهم ما صنع الحداد، لكن الواقع مختلف تماماً، فعلى الرغم من العداء الظاهري الذي يبديه الديكتاتوريون العرب تجاه من يسمونهم بالتكفيريين والمتطرفين، إلا أنهم يعتبرونهم طوق نجاتهم. بعبارة أخرى، فإن الديكتاتوريات العسكرية والأمنية العربية تشتم التطرف الديني في العلن وتحذر من مخاطره، لكنها تدعمه دعماً كاملاً في السر، وتقدم له كل مقومات الانتشار والتمكن.

في سوريا مثلاً نرى النظام السياسي ووسائله الإعلامية تهاجم التكفيرين والمتطرفين بقوة، بحيث يتولد لديك انطباع بأن هذا النظام نظام علماني تنويري حضاري حداثي من الطراز الأول، لكن في الخفاء ومنذ وصول النظام إلى السلطة قبل نصف قرن تقريباً نرى أنه يقمع، ويسحق كل الأصوات التنويرية والعلمانية والتقدمية الأصيلة، ويخفيها وراء القضبان لعشرات السنين، بينما يقدم للفكر الديني المتطرف كل أدوات ووسائل ومقومات الازدهار والتمدد والانتشار والإعلام. هل تعلمون أن نظام الأسد كان أكثر نظام في تاريخ سوريا الحديث أنفق على التعليم الديني، وأهمل التعليم العلمي.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن نظام الأسد بنى مئات الجوامع والمساجد والمعاهد الدينية، لكن ليس حباً بالدين والمسلمين، بل لأنه يعتقد أن المجتمع المتدين أفضل له بعشرات المرات من المجتمع المنفتح والمتحرر والتقدمي. لا تصدقوا أكاذيب النظام السوري وأمثاله بأنه علماني وتقدمي، ويصارع الفكر التكفيري، على العكس تماماً، فهو أقوى داعمي الفكر التكفيري المتطرف. فقط انظروا إلى وضع أصحاب الأصوات العلمانية التقدمية الحرة في سوريا ستجدهم جميعاً إما خلف القضبان في السجون أو مشردين خارج البلد أو يعيشون متسكعين لا يجدون قوت يومهم، لأن النظام يخشى من توظيفهم حتى كفراشين وبوابين على أبواب التلفزيون أو الإذاعة أو الصحف.
صدقوني أن الأنظمة المخابراتية والعسكرية في سوريا وأمثالها العربية استثمرت طويلاً في الفكر الديني الرجعي وحتى المتطرف أكثر مما استثمرت في الفكر التقدمي العلماني بمئات المرات، لأن الفكر الداعشي يخدمها، ويطوّل بعمرها وبقائها في السلطة، بينما الفكر العلماني التنويري الحداثي الحقيقي يهدد بقاءها.

مقالات ذات صلة

أضحك كثيراً عندما أسمع الإعلام السوري الرسمي يهاجم المتطرفين والتكفيرين بينما تقوم أجهزة الأمن السورية بدعم وتخريج المتطرفين في سجونها، لا بل توفر لهم كل الكتب والبحوث التي تدعو، وتنتج التطرف والمتطرفين. والأنكى من ذلك، كانت السجون السورية المخصصة لانتاج التطرف أقرب إلى الفنادق الجيدة بالمقارنة مع السجون المخصصة للمعارضين التقدميين المتنورين الذين ماتوا في الزنازين. لاحظوا أيضاً كيف أتي النظام بالمرتزقة الشيعة والايرانيين وسلطهم وفرضهم على السوريين، وهو يتباهى بهم ويغدق عليهم الملايين ووووو، بينما أبناء البلد من العلمانيين والتقدميين والتنويريين الحقيقيين ممنوعون من العمل، ولا يجدون قوتهم، وغير مسموح لهم بالظهور على وسائل الإعلام الحكومية الطائفية.

إذا كنتم أيها الاشرار صادقين في اجتثاث التطرف والمتطرفين من مجتمعاتنا يجب أن تقضوا أولاً على البيئة المنتجة للتطرف. يجب أن تجففوا منابع التطرف والإرهاب الفكري، لكنكم على العكس تغذونه باستمرار، وتدعمونه لأنه يدعمكم. هل كان للنظام السوري أن يصمد كل هذا الوقت لولا اللعب بورقة الإرهاب والتطرف والتكفير الذي أنتجه داخلياً ومن ثم راح يخوف الداخل والخارج به ببراعة منقطعة النظير؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى