أحيانا علينا أن نسمع للمجانين!

أحيانا علينا أن نسمع للمجانين!
د. علي المستريحي

بأحد المؤتمرات المتعلقة بمكافحة الفساد حول عام 1993، طَرَح أحد أساتذتنا ورقة بحثية تناقش فكرة تهجين الواسطة (Taming Wasta) وتكييفها بما يتناسب وبيئتنا، والاستثمار بالنوع الايجابي منها، وإعادة توجيهها لخدمة الصالح العام، مع تطوير نظام محْكم يضبط ذلك كله. فمثلا، الفلاح الذي يصارع النظام البيروقراطي العقيم للحصول على رخصة زراعية وهو يستحقها، يمكن له أن يمارس الواسطة للحصول عليها! ويمكن للمرشحين في حالة التقدم للحصول على وظيفة حسّاسة أن يجلب كل واحد منهم إلى المقابلة واسطته معه، فتقتل الواسطة نفسها! كانت النتيجة أنْ ثارت ثائرة المؤتمرين من النخب العلمية والمهنية عليه واتهموه بالكفر والعجز والجنون!

منذ ذلك الحين، وبعد مضي ربع قرن، تجذّرت الواسطة، وازدادت أضعافا مضاعفة، وأودت بالبلد لشفير الهاوية! رحل أستاذنا (مُقدّم المقترح) مهاجرا إلى الولايات المتحدة، وما زالت النخب تطالب بمكافحة الواسطة!! ألم يكن حالنا أفضل الآن لو وَجَدَ مُقترحَه آذانا صاغية؟ لربما ..!

هناك أسلوب للتفكير وإنتاج الحلول الخلاقة يعرف بالعصف الذهني (brainstorming)، وهو اختراع غربي خالص، يقوم المشاركون فيه باقتراح أي حل أو بديل يخطر ببالهم حتى لو كان اقتراحا خياليا ومجنونا .. فكم من الأفكار العظيمة التي غيّرت وجه الكون انتجها استخدام هذا الأسلوب!

مجتمعاتنا العربية غير مهيأة لمجرد التفكير والتأمل بأي أفكار من خارج الصندوق .. الكفر والزندقة والجنون هي تهم معلبة جاهزة تُلقى على المفكّر، فينتهي به المطاف بالعزلة أو التهميش أو الجنون أو الهجرة أو الحرق كما كان الحال بالعصور الأوروبية الوسطى المظلمة، وهو العصر الذي نعيشه الآن بكل تفاصيله بمعظم دولنا العربية!

أحيانا علينا أن نسمع “للمجانين”، خاصة عندما تتعطل البوصلة ويتوه المركب وتتسرب إليه مياه المحيط متلاطم الأمواج!

Logo_web_98x72

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى