سواليف
على جنبات ساحل البحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد 100 كيلومتر من مدينة أنطاليا، بمقاطعة منتجع كمير السياحي جنوب غرب تركيا، تقع منطقة “أولمبوس” بشاطئها الساحر ومدينتها القديمة التي بُنيت سنة 100 قبل الميلاد. وغير بعيد عنها يقف جبل كبير يشتعل ناراً، وكأنه موجود هناك ليُدفئ المنطقة كلها.
على الجبل، الذي يزوره مئات الآلاف من السياح كل عام، تستمر أحجاره في الاحتراق منذ 2500 سنة، وذلك بسبب وجود كميات كبيرة من غاز الميتان إلى جانب الروثينيوم الذي يُعتبر محفزاً له على الاشتعال، بحسب بحث للدكتور غويسيب إيثيوب، الباحث في المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلوم البراكين بروما.
وترتبط الصخور المحترقة بأسطورة إغريقية تقول إن تلك النيران تخرج من فن عجوز تم دفنها تحت الجبل بعد أن انتصر عليها بطل يُدعى يلاروفونتيس، كما يُعتقد أن الشعلة التي تُحمل في الألعاب الأولمبية أتت من حفلة قام بها يلاروفونتيس بعد الانتصار عليها.
سياح
ويقول يونس، الطالب الفلسطيني بجامعة أكدنيز التركية، إنه لا يُضيّع أية فرصة للذهاب إلى أولمبوس من أجل الاستمتاع بوقته، ويضيف في حديث لـ”هافينغتون بوست عربي” أن المكان يسمح له بالتنقل بين الحضارات و”التأمل في واحدة من أغرب الأشياء التي رآها في حياته”.
بعد زيارة أولى للمنطقة نهاراً قرر يونس أن يعود رفقة أصدقائه ليلاً، ويقول عن التجربة إنه لم يجد شيئاً أجمل منها، “فمراقبة الشهب والنجوم تتراقص في السماء تزيد حميمية وروعة حينما تجلس إلى جانب نار طبيعة تخرج من جوف الأرض”.
أما جانير، الشاب التركي القادم من أنقرة، فيؤكد لـ”هافينغتون بوست عربي” وهو واقف أمام صخرة تحترق، أنه كان يحلم بزيارة هذا المكان منذ سنوات، لكن ذلك لم يتم له إلا مؤخراً. ويزيد أنه حينما “يأخذ ما يكفيه من الحرارة من الجبل، يرمي بنفسه إلى شاطئ تشيرالي القريب، حتى ولو كان الجو بارداً”.
الأسطورة
ويرتبط جبل الصخور المحترقة بأسطورة تقول إن هيبونويس، ابن غلاوكوس حاكم مملكة إفيرا، أو مملكة كيشيروس اليونانية القديمة كما تُسمى في كتب التاريخ أيضاً، قتل أخاه بيلاروس في حفلة صيد، فتم تغيير اسمه إلى بيلاروفونتيس، الذي يعني في اللغة الإغريقية القديمة “آكل بلارووس”، قبل أن يتم طرده من المملكة، ويلوذ إلى ملك أغروس (جنوب شرق اليونان الآن) للاحتماء به.
وحسب كتاب للباحثة التركية إلهان أكشيت بعنوان “ليكيا مدينة الأنوار”، فإن زوجة ملك أغروس أُعجبت بيلاروفونتيس وراودته عن نفسها، لكن الشاب الوسيم رفض طلباتها المتكررة احتراماً للملك الذي قبل حمايته، لتُقرر الانتقام منه، حيث ارتمت لحضنه بقوة واتهمته بالاعتداء عليها، ولما علم زوجها الملك بالقصة قرر إرساله إلى أب زوجته، ملك ليكيا (تسمى أيضاً ليسيا)، وهي منطقة توجد الآن غرب مدينة أنطاليا التركية على البحر الأبيض المتوسط، ومعه رسالة مكتوب فيها أمرٌ بقتله.
وحسب ما جاء في الإلياذة أيضاً، للشاعر اليوناني القديم هوميروس، فإن ملك ليكيا، خاف من قتل بيلاروفونتيس، خصوصاً أن مملكته كانت تعيش مرحلة ضعف، فقرر أن يُرسله إلى جبل بمنطقة أولمبوس من أجل قتل العجوز الشريرة شيمرا التي تسكن فيه، وهي سيدة ذات رأس أسد في هيئة ماعز وذيل مثل الثعبان، تخرج من فمها نيران مشتعلة
تنفيذ المهمة
ويقول هوميروس إن بيلاروفونتيس قبل المهمة، فركب وهو ذاهب إلى الجبل حصاناً طائراً يُدعى بيغاسوس، وهو الاسم تحمله الآن إحدى شركات الطيران التركية. ويضيف أن بيلاروفونتيس تمكن خلال هجومه على الجبل من إصابة العجوز الشريرة شيمرا برمح كان يحمله ودفنها في 7 طبقات بمكان تواجدها بسبب قوة الضربة.
وتؤكد الأسطورة أنه رغم دفن العجوز شيمرا 7 طبقات تحت الأرض، إلا أن النيران التي كانت تخرج من فمها لازلت تفور على سطح جبل أولمبوس، وهي التي تؤدي منذ آلاف السنين إلى احتراق الأحجار فوقه.
وبعد انتصاره على شيمرا، قرر بيلاروفونتيس الاحتفال، فبدأ ينظم مسابقة تستمر لأيام، بحيث يحمل الرياضيون شعلة تم إشعالها بنيران شيمرا المقدسة، ثم يجرون بها إلى مدينة أولمبروس القديمة، لتكون تلك أول ألعاب أولمبية تنظم في تاريخ منطقة الأناضول.
وإلى جانب اعتبارها رمزاً من رموز أسطورة زيوس الإغريقية، التي يُقال إن الإله بوميثيوس سرق النار منها وأعطاها للبشر لخلق المخلوقات الأرضية، فإنه يُعتقد أن شعلة الألعاب الأولمبية التي يتم يحلمها المشاهير إلى المدينة المستضيفة تعود إلى مسابقة احتفال بيلاروفونتيس بانتصاره على العجوز شيمرا.