“أجيت يمّة؟”!
د. #علي_المستريحي.
#الأم ليست امرأة وحسب، وليست “شيئا” يُقاس بالزمن وبعدد السنين المنقوشة في تقاسيم وجهها، سنة فسنة .. الأم هي يدٌ تمتد من حيث لا ندري لجبيننا لتزيل هما عنا، وتمسح حزنا منا، وتعيد قلبا كان لنا، وتوقد أملا مات فينا .. الأم هي أصابع من حرير، تسوّي برفق غطاء فراشنا آخر الليل، تلحّفنا بحرس، تغلفنا بحب وتبث فينا السكينة بعد كابوس مروّع، فنبتسم خلسة من تحت الفراش، ثم ما نلبث أن نغرق بنوم هانئ مطمئن عميق كالأطفال .. الأم هي صوت ملائكي يهمس بآذان #الفجر بالدعوات المُلحّات لله بعد #الصلاة أن يحفظنا جميعا .. لا تملّ الدعاء حتى تحتفل مع العصافير، ويودعها الفجر، وتطلع الشمس من جبينها، ويولد يوم جديد من بين أصابعها، ويفيض نهرا من الحب قلبها .. الأم هي حبات خرز من الزيتون المعتّق تتدحرج بين أصابع الفجر تسبيحا وحمدا لله، وبين كل حبة وأخرى، يسكن ملكٌ، يولد قَدَرٌ وتنشأ أمة!
أتدرون أن لدى الأم مستشعرات لـ “خرخشة” أجسادنا حيثما نتحرك، فبالنسبة لها، لكل واحد منا “بصمته الخرخشية”، تعرفها من بعيد .. أتدرون أن لدى الأم مستشعرات لنبضاتنا وعدد أنفاسنا، فإذا تسارعت أو مالت للسكون تسأل بقلب مرهف: “مالك يمة؟”. أتدرون أن لدى الأم مستشعرات “لِدَبّة” أقدامنا على الأرض، فبالنسبة لها لكل واحد منا “بصمته القدمية”، تعرفها من بعيد .. فلم أعجب يوما إذ كانت تناديني قبل أن أقترب وتراني: “زياد، أجيت يمّه؟”!
كانت عند كل رحيل لي إلى حين، تنثر عليّ جملة لا تسعها القواميس كلها: “إمرشّقة طريقك يمّه”، تنثرها ورائي كما تنثر وردا بيوم عرس، فيكبر قلبي، وتدب الحياة بأطرافي، وتمتد قدماي بزهوٍ مَدّ نظري .. ومع أنني لا زلت -بعد عمر- لم أصل لعمق تلك الجملة، إلا أنني كنت أرى بعدها الحياة خضراء، والطريق خضراء، والمستقبل مورق، يانع وأخضر ..
الأم هي الجدة والأم والابنة، وهي الأخت والخالة والعمة، وهي الصديقة والحبيبة والغالية .. الأم معجزة من معجزات الله، نعرف لماذا خلقها الله، لكنا لا زلنا لا نعرف كيف، ومن ماذا خلق الله الأم؟
كل عام وكل أم هي النهر الخالد النابض بالحياة، باقية بيننا أو رحلت.