
مع استمرار العدوان على قطاع #غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تتكشف فصول #مأساة_إنسانية معقدة، تتصدرها #المجاعة بوصفها أحد أكثر أشكال المعاناة قسوة وتجريدًا من الكرامة، في سياق تتحمّل فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية المباشرة عن واقع التجويع، من خلال حصار خانق وهجمات ممنهجة طالت البنى التحتية ومصادر الإمداد الأساسية، إلى جانب استهداف المدنيين في طوابير #المساعدات_الغذائية.
الانهيار البيولوجي تحت وطأة #الجوع
طبّيًا، يُظهر الجوع الشديد نمطًا متدرجًا من التدهور الجسدي والوظيفي، تبدأ ملامحه بانخفاض حاد في مستوى الجلوكوز في الدم، ما يؤدي إلى وهن عام، اضطرابات في التركيز، ودوار مزمن، ثم يتقدّم نحو استخدام الجسم لمخزونه من الدهون والعضلات كمصادر بديلة للطاقة، وهو ما يتسبب في فقدان الوزن الشديد والهزال. ومع استمرار النقص في العناصر الأساسية، تتدهور الوظائف الحيوية للقلب، فينخفض ضغط الدم ويصبح القلب أقل قدرة على ضخ الدم بكفاءة. يتأثر الجهاز العصبي بشكل مباشر كذلك، فتظهر حالات من التشوش الذهني أو الغيبوبة نتيجة لنقص الأكسجين والمغذيات.
تفكك تدريجي وانهيار عضوي شامل
التجويع لا يقف عند حدود الفقر البيولوجي، بل يترافق مع اختلال التوازن الكهروليتي، وانخفاض مستويات البوتاسيوم والصوديوم، مما يسبب اضطرابات في نظم القلب وتشنجات عضلية، وقد يتطور الأمر إلى فشل كلوي أو كبدي، وهو ما يفضي في النهاية إلى الوفاة، ليس كحدث مفاجئ، بل كنتيجة حتمية لتفكك تدريجي في منظومة الجسد البشري.
المجاعة في غزة بالأرقام والشهادات
ما يحدث في غزة اليوم يعكس هذه المراحل بدقة قاسية، حيث تشير البيانات الصادرة عن منظمات أممية إلى أن 470 ألف شخص يواجهون مستويات جوع كارثية، وفق المرحلة الخامسة من التصنيف العالمي للأمن الغذائي، وهي المرحلة التي تُعرّف بأنها أقرب إلى المجاعة الصريحة. كما تؤكد منظمة اليونيسف أن أكثر من 71 ألف طفل بحاجة ماسة إلى تدخلات علاجية عاجلة، إلى جانب ما لا يقل عن 17 ألف أم يعانين من ذات الظروف الصحية المتدهورة.
#مصائد_الموت: بين الخبز والقصف
الواقع على الأرض يبرز صورة أكثر سوداوية، فمراكز توزيع الإغاثة تحوّلت إلى مناطق استهداف مباشر، حيث سقط العشرات بين قتيل وجريح وهم يسعون للحصول على عبوة طعام أو كسرة خبز، في مشاهد تعكس مأساة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة. يتحدث الشهود عن أطفال قضوا اختناقًا تحت الزحام، وعن آخرين مزقتهم الشظايا على مشارف مراكز المساعدات. يُروى عن أب قُتل وهو يحمل كيسًا من الطحين، وعن أم فقدت حياتها وهي تحاول الوصول إلى طعام لأطفالها. وفي ظل هذا المشهد، باتت أماكن توزيع الطعام تُعرف في غزة بـ”مصائد الموت”، وأصبحت المستشفيات، التي تُقصف بدورها، ملاذًا مؤقتًا لعلاج لا يصل.
سياق علمي: مراحل الجوع وفق التصنيف العالمي
تصنّف منظمات الغذاء العالمية مراحل الجوع إلى خمس درجات تبدأ من النقص المزمن في السعرات الحرارية، وتمر بالجوع الخفيف والمتوسط، ثم الجوع الحاد، وتنتهي بالمجاعة، حيث يكون خطر الموت وشيكًا. وفي السياق الغزي، يتبين أن معظم السكان وصلوا إلى المرحلة الرابعة، وباتوا يعيشون بين مرحلتي الجوع الحاد والمجاعة، في ظل غياب شبه تام للقدرة على تأمين الغذاء، وشح متعمد في الإمدادات، واستهداف منهجي لكل ما يرتبط بالحياة الأساسية.
نتائج كارثية وصمت عالمي مريب
في خلفية هذه الكارثة، تؤكد التقارير أن العدوان المستمر قد خلّف أكثر من 200 ألف بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، بينما تسود أوضاع إنسانية لا تترك مجالًا للنجاة، ولا تظهر في الأفق أي استجابة دولية فعّالة توقف نزيف الأرواح أو تمنع تقدم الجوع نحو ذروته الكارثية.
تحذيرات المنظمات الدولية: ما بعد المجاعة
وبينما تواصل دولة الاحتلال عملياتها العسكرية وحصارها المحكم، تحذر اليونيسف من أن استمرار هذا الوضع قد يفضي إلى مستويات من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والوفيات تتجاوز حدود المجاعة المعلنة، وهو تحذير يعكس ليس فقط خطورة الوضع الراهن، بل احتمالية تحوله إلى سابقة تاريخية في فشل النظام الدولي عن حماية أبسط مقومات الحياة لشعب بأكمله.