أبو ناهض ونظرية الطبطبة على البطيخ

أبو ناهض ونظرية الطبطبة على البطيخ
د. علي المستريحي.‏

هناك جدل أزلي لم يحسم بعد حول كيفية معرفة ما إذا كانت حبة البطيخ ناضجة ولبَها أحمر ومذاقها حلو ‏بمجرد بالنظر لقشرتها الخارجية. هناك افتراضات عامة تتعلق بنوعها (غاطسة الخضرة مقابل ذات ‏الخطوط) أو بلونها (المصفرّة مقابل المبيضّة أو المخضرّة) أو بحبلها السري (اليابس قتامة مقابل المخضرّ ‏اليانع). إلا أن هناك افتراضات أخرى أكثر تعقيدا، منها مدى ضيق أو سعة خطوطها الخارجية أو العروق ‏التي توشَح بطنها أو قفاها! هي مجرد افتراضات أقرب للتنجيم بطريقة قارئة الفنجان لم يثبت بالدليل ‏القاطع صحة أي منها. هي فقط طريقة وحيدة لا تخيب الظن أبدا: “البطيخ عالسكين”.‏

لكن بائع البطيخ عادة ما يكون له وجهة نظر أخرى لتعظيم ربحه، فلا تعجبه طريقة “السكين”، فيسمح لأبي “ناهض” ‏فقط بانتهاج نظرية “الطبطبة” والعسّ الخفيف .. “يطُبُّ” أبو ناهض على البطيخة بأصابعه الوسطى ‏الثلاثة، ثلاثا، فيتظاهر أنه يسمع الجواب! لا يهم ماذا يسمع، وغالبا ما لا يسمع شيئا، لكن المهم أنه يمارس ‏هذا الطقس المعتاد وسط تهليل وتكبير وإطراء البائع وصبيته الذين يستخدمهم لاصطياد المارة .. فيأخذ أبو ‏ناهض حبة البطيخ ويعود البيت منتشيا، فيفتحها فيجدها بيضاء أو زهرية اللون غير ناضجة، فينظر لمن ‏حوله ويقول: “عاد والله طبيت عليها طَبّ البين، لكن الحظ لعين!” ثم يقول لأهل بيته: “لكن والله حلوة، ‏كلوها”! فيأكلها أهل البيت متكرّهين، فقط حتى يدرأون عن رب أسرتهم شعوره بالأسف والذنب وقد دفع ‏ثمنا باهظا بحبة البطيخ. ‏

يعود أبو ناهض باليوم التالي لنفس الكومة ولنفس البائع، فيدلّه البائع هذه المرة على اتباع نظرية “العصر ‏والضغط” الخفيف مراعاة لخسارته، هي طريقة تعلّمها البائع من جامعة هارفرد! فيرفع أبو ناهض حبة ‏البطيخ إلى أذنه اليمنى وقد امتلأت إطراء لأذنيها من بائع البطيخ وصبيته، فيعصرها برفق ليسمع الجواب! ‏لا يهم أبو ناهض ماذا يسمع، لكن المهم أنه يشعر بنشوة عارمة بانتهاجه طريقة جديدة! فيأخذ كومة كاملة من ‏البطيخ هذه المرة ويعود البيت منتشيا، فيفتح أولها، ثم ثانيها وثالثها ثم الكومة بأكملها، فيجدها جميعا بيضاء ‏أو زهرية اللون غير ناضجة، فينظر لمن حوله ويقول: “عاد والله عصرتها عصر البين، لكنه الحظ اللعين ‏‏.. كلوها كلوها!”. فيأكلها أهل البيت متكرّهين، فقط حتى يدرأون عن رب أسرتهم شعوره بالأسف والذنب ‏وقد دفع ثمنا باهظا بكومة البطيخ!‏

كل عام ينتهي موسم البطيخ وتقتلع رياح تشرين معرّشاته ليبدأ صيف جديد وموسم جديد .. وما زال أبو ‏ناهض يقنع نفسه أن نظرية الطبطبة على البطيخ لا بد لها يوما أن تصيب! وفي كل مرة يأكل أهل البيت ‏أبيض البطيخ على مضض، يبلعون الغلب تلو الغلب متكرّهين صابرين مرابطين! فقط حتى يدرأون عن ‏رب أسرتهم شعوره بالأسف والذنب وقد دفعوا جميعا ثمنا باهظا بأكوام وأعوام مضت من البطيخ الفاسد ‏وغير الناضج. الحقيقة هي أن كومة البطيخ كلها مضروبة والبائع انتهازي مستفيد. أما آن الأوان لأبي ‏ناهض أن يجرّب بائعا أخر وأن يفحص البطيخ بالسكين ولو مرة؟! ‏

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى