أبناء الشجرة

أبناء الشجرة
كامل النصيرات

الطفلُ الذي يقف تحت تلك الشجرة ويبيع (بكسة) البندورة قبل أربعين عاماً ما زال ينتصب أمامي بكلّ دموعه وآحاده وعشراته..ما زال يملأ داخلي بالبحث عن عوالم يخفيها ساسةٌ عنّا..ما زالت الشجرة كلّما مررتُ بها إسبوعيّا تفجّر فيّ غضبي..!
قبل أربعين ؛ كانت بيني وبين السموات كلّها حبال صنعتها بوعي الطفل المتمرّد؛ فأتت من بمقصّاته العملاقة وقصقص الشجرة وقصقص أرجلي ولساني..وتركوني نازفاً على قارعة الانتظار الذي لا يجيء معه إلا الخيبات والهزائم..!
أتذكر الأربعين الفائتة وأتذكر معها كل الأطفال الذين كانوا في مسيرتي..أين صاروا؟ وإلى أين آلوا..؟ وكيف لفّ بهم الزمان..؟! والحقيقة كلّ الحقيقة أنّ من أعرفهم مباشرة كانت أحذيتهم مثل حذائي لا توصلهم إلاّ إلى الطين والوحل..بينما أصحاب الأحذية التي تطأ الوحل ولا تقرأ كتاباً ولم تنم ليلة بجوع ؛ نلهث وراءهم كي نشرح لهم عن الحرمان ..!
الذين لم يبيعوا تحت الشجرة كي يوفّروا الخبز..ولم يبيعوا سحبة بلالين كي يشتروا رقعة لبنطلون..والذين لم يعتلوا في (الحسبة) كي يؤمّنوا ثمن دواء لأب أو أمّ أو أخ مريض ..الذين لم يتمرمطوا في تفاصيل الوطن ..هم كلّهم صاروا ..أما نحن أبناء الشجرة و الأزقة فصرنا بعد أربعين خريفاً كهوف الوطن و بسطاته التي تموت انتحاراً..!
نحن أبناء الشجرة كم نحتاج إلى بيعة شجرة جديدة..أين أنت يا رسول الله..؟!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى