آخر ما كنت أتوقعه / منصور ضيف الله

آخر ما كنت أتوقعه ….

آخر ما كنت أتوقعه ، توقفت السيارة الصغيرة أمام مدخل البيت ، زيارة مفاجئة تشبه المداهمات الأمنية ، وليس لك سوى الاستسلام ، واستعذاب الرضوخ وتبريره . منذ أربعة أيام لم أذهب إلى المدرسة ، شعرت بهوة عميقة تفصلني ، طالما تحدث عنها غسان كفاني ، حاولت ردمها ، وإيجاد مبرر واحد للذهاب . المدرسة نجم شآمي ، وأنا نجم يماني ، وردم الهوة يحتاج مبرر واحد مقبول .

الزيارات المفاجئة عنيفة ، تشبه الكذب المكشوف الذي يؤذي السامعين ، ويزيد قناعتهم بانحطاط الموقف ، وجهل المتحدث واستهباله الآخر … الكذب يخنق صاحبه بحبله ، ويتركه ريشة في مهب الريح . الزيارة عاصفة ، وماكرة ، ولعلها حديث الروح ، ثمة ابتسامة بدوية عاتبة ، ولوما عزيزا على سذاجة ، ونكرانا لإغفال العقل . سلامات منصور . هلا نوفة . ونغرق بالإحضان ، اشتممت رائحة دمعة ، وشقيقتي لم أعرف لها انكسارا مذ وعيت الدنيا ، وعرفت لؤمها وحماقاتها . ندخل سوية ، ويدور حديث عن ماض بعيد ، الوالد ، الشقيق جمال ، الجامعة الاردنية ، وانكسارات كنت أظنها تاهت مع الزحام . لم تطل الإقامة ، تأخذني من يدي ، عدت طفلا مشاكسا . يتلاشى الزمن ، طفل وأمه ، ورحلة جديدة . في الزرقاء نتوقف ، وتقودني مغمض العينين لإول محل بالة . تخلعني قميصي ، وتبدأ باختيار مجموعة جديدة ، واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، تنتقي على ذوقها ، وتأمر . الأغرب والأدهش تقودني إلى قسم ” البناطيل ” ، البائع ينظر بدهشة وانفعال ، تنتقي مجموعة أخرى ، وبلهجة آمرة تطلب مني خلع البنطال ، وعلى مرأى من حزمها وإصرارها أبدأ القياس . دقائق وينتهي كل شيء ، تدفع الحساب ، ونغادر .
ننزلق معا في سيارة الكيا ، يعم الصمت ، لغة العيون تطرح الآف الأسئلة ، وابتسامات تتكسر على الشفاه الراجفة . تطلب مني الحديث ، المسافة الى عمان طويلة ، وبنبرة حزينة يندفع الصوت : …… أخت حظي ، أكره الملبوس ، والمراعي التي وطأتها أقدام المراييع . ومرة أخرى يعم الصمت .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى