“آب اللهاب” يحرق غزة كصواريخ الحرب والسكان يشتهون شربة ماء بارد

#سواليف

في ظلال #خيام_مهترئة تمزق بعض أجزائها بسبب التنقل بين مناطق النزوح، وبفعل العوامل الجوية، جلس #النازحون هربا من #حرارة_الصيف، فيما كان آخرون يستظلون بما تبقى لهم من منازل، وجميعهم يفتقدون #وسائل_التهوية و #التبريد، ففي غزة لا كهرباء و $إمدادات_المياه تصل شحيحة، منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها قبل 22 شهرا.

ولم ترحم حرارة آب الغزيين الذين يعانون الأمرين بسبب #الحرب، وضاعفت #موجة_الحر التي تضرب المنطقة من مأساتهم، ففي هذه الفترة يتذكر السكان كيف كانوا يبردون #حرارة_الصيف_اللاهب بالمراوح والمبردات التي تعمل بالكهرباء، وهي واحدة من أساسيات الحياة التي افتقدها السكان منذ بداية الحرب، فعادوا يستخدمون وسائل قديمة جدا، كانت سائدة في عهد الآباء والأجداد.

طرق تبريد بدائية

ومنذ يومين تتعرض المنطقة وبما فيها قطاع غزة لموجة حر شديدة، ارتفعت فيها درجات الحرارة لأكثر من 40 درجة مئوية، فيما يزداد الأمر في قطاع غزة، ليس فقط بسبب انعدام وسائل التهوية، بل أيضا بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو الساحلي، ما يزيد من نسبة التعرق، في ظل شح امدادات المياه، وصعوبة الاستحمام في مناطق النزوح القسري، سواء في مراكز الإيواء أو في معسكرات الخيام، حيث تنعدم هناك الخصوصية بشكل كبير.

بجوار أحد خيام النازحين في منطقة مواصي مدينة خان يونس غربا، كانت أم محمد محسن، تجلس بين أبنائها، وتحمل بيدها قطعة من الكرتون المقوى، تلوح بها شمالا ويمينا، لتبرد الهواء أمام وجهها، لتشعر للحظات معدودة ببرودة الجو، لكن سرعان ما تعود للشعور بحرارة الجو، فأيدي هذه السيدة الخمسينية كغيرها من السكان لا تقوى على الحركة لفترة طويلة، ليعود العرق يتصبب من وجهها، وتضيف “ما في حل، الجو نار والخيام زي الأفران”.

وتقول هذه السيدة ، إن أسرتها لا تدخل الخيمة إلا للضرورة، أو عندما تنكسر شمس النهار ويحل الليل، وتضطر رغم ارتفاع درجة الحرارة ليلا للمبيت في الخيمة البلاستيكية، خشية من أن تتعرض للدغات الحشرات أو الزواحف، وتضيف “الحياة صعبة جدا، وما عاد هناك طاقة للتحمل”.

وفي ذلك المكان القريب من الشاطئ، لم تنجح النسمات البحرية في تبريد أجساد النازحين، فحرارة الشمس المرتفعة طغت على الامر، ودفع ذلك عبد الله الفرا إلى سكب المياه على رؤوس أطفال أسرته، لتتدحرج كالشلال على أجسادهم بهدف تبريدها، هذا الرجل يقوم بهذا الفعل مرات عدة طوال اليوم، ويبدأ فيه مع تعامد أشعة الشمس وقت الظهيرة، حتى الوقت القريب من اختفاء قرص الشمس في البحر، ويقول “يفرح الأطفال عندما أسكب المياه.. يشعرون بالانتعاش قليلا”، وبسبب نقص المياه اضطر هذا الرجل إلى تعبئة جالونات التبريد هذه من البحر، محتفظا بكميات مياه قليلة للشرب، في ظل النقص الحاد في امدادات المياه.

ورغم ارتفاع الحرارة والتعرق الشديد، يحرم كبار السن من الاستحمام اليومي، ويكتفون بغسل وجوههم فقط وأيديهم وأقدامهم، فيما يقوم كبار السن والذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، بوضع قطعة قماش مبللة على رؤوسهم، في محاولة منهم للهروب من الحر، وبالعادة يطلق الفلسطينيون على هذا الشهر من شدة حرارته اسم “ #آب_اللهاب ”، ويقول خليل نعيم النازح من بلدة بيت حانون شمال غزة، إن درجة الحرارة نهارا داخل الخيام تفوق الـ 50 درجة مئوية، ويضيف واصفا الجو “نشعر بأننا نشوى، والأمر لا يطاق”.

الشوق للماء البارد

وليس بعيدا عن هذا المشهد، دفع النازحون القريبة خيامهم من الشاطئ بأطفالهم للاستحمام والجلوس داخل مياه البحر، لكن هذه العملية لا تتم إلا بعد وقت العصر، فحرارة الجو لو خرجوا نهارا قد تصيبهم بضربات شمس، علاوة على أن ملوحة مياه البحر وحرارة الشمس تصيبهم بأمراض جلدية، ما يضطر أسرهم لتبريدهم بسكب المياه على رؤوسهم، وقد طالت لسعات الشمس الحارقة جلود بعض إطفال المنطقة، الذين فروا من موجة الحر إلى ماء البحر.

وقد عبرت سيدة في منتصف الثلاثينات وتكنى “أم ساجي” عن خشيتها على أطفالها في هذا الجو، وهذه السيدة التي تعاني من ويلات النزوح، عبرت عن اشتياقها لشرب مياه مبردة، فهي كغيرها من السكان حرمتهم الحرب والنزوح وانقطاع الكهرباء من هذا الأمر.

وفي غزة لجأ مواطنون إلى تبريد المياه في ثلاجات تعمل على الطاقة الشمسية وبيعها، لكن هذا الأمر غير متوفر في كل مناطق قطاع غزة، فيما يشتكي السكان من عدم قدرتهم على شراء المياه المثلجة بأثمان مرتفعة، وأملا في شربة ماء بارد، تلجأ الأسر الغزية إلى دفن جالونات المياه البلاستيكية الصغيرة في حفر تمتد لطول نحو متر في عمق الأرض، تكون في منطقة ظليلة، ويسكبون على الرمال التي تغطيها مياه عادية، ويعودوا إليها بعد مرور ساعتين على الأقل، لشرب مياه تكون درجة حرارتها تعادلت مع درجة حرارة التربة الباردة.

وبسبب الحرب والهجمات البرية، بات القسم الأكبر من سكان قطاع غزة نازحين، إما في مراكز إيواء أو في الخيام، لكن مشقة الحياة تطال حتى العدد الأقل الذين يقطنون في منازلهم التي طالها التدمير الجزئي والبليغ، ويقول حسن صالح إنه يقطن وعائلته المكونة من ثمانية أفراد، في شقة ضيقة جدا في منزل عائلته وسط قطاع غزة، وأن حرارة الصيف، خاصة بعد الارتفاع الكبير في درجة الحرارة، فاقمت الأوضاع صعوبة، فشح المياه وقطع الكهرباء يحرمهم من تبريد أجسادهم، ويقول إنه الأمر ليلا لا يعتبر مغايرا، فتجمع العائلة في مكان ضيق في سقته السكنية، التي تعرضت لأضرار في الحرب، تزيد من المعاناة، ويقول “الكل يشعر بالاختناق وقلة الأكسجين خاصة في الليل”، ويؤكد كغيره أن شح امدادات المياه المخصصة للاستخدامات المنزلية، تحرمهم لأيام من الاستحمام، ويضيف “ٌقبل الحرب كنا نشعر بحر الصيف رغم تشغيل المراوح والمكيفات، كيف اليوم، لا مرواح ولا كهرباء، والرطوبة عالية”، واشتكى من انتشار طفح جلدي بين أسرته.

عذاب الحرارة

وعرضت على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا للطفلة الرضيعة، سلمى قويدر وعمرها نحو شهرين ونصف، وهي ترقد في مستشفى الأطفال في مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، لمعاناتها من مرض جلدي وتقرح نادر يهدد حياتها بسبب ارتفاع الحرارة في خيام النازحين.

وتؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” أن أزمة السكان بسبب الحر الشديد تفاقمت بسبب نقص المياه، وأنه مع ندرة المياه المتاحة، يزداد خطر الإصابة بالجفاف، فيما لا توجد أي وسيلة للتخفيف من وطأة الحر الشديد، بسبب محدودية الكهرباء والوقود، أما بلدية غزة، كبرى بلديات القطاع، فقد أكدت أن درجات الحرارة المرتفعة تُضاعف المعاناة اليومية للمواطنين والنازحين، وأن المدينة بأكملها تواجه خطر العطش في ظل غياب أي حلول عاجلة، وقد ناشدت المنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية للتحرّك السريع وإنقاذ الوضع من كارثة إنسانية مُحقّقة.

جدير ذكره أن معاناة سكان غزة منذ لم تنقطع منذ بدء الحرب، فإلى جانب المجازر والقتل والتدمير، يشتكي السكان في الشتاء من البرد الشديد، وقلة الأغطية وانعدام وسائل التدفئة، فيما ينعكس الأمر في فصل الصيف، وجميعها ظروف صعبة أعادت قطاع غزة إلى عشرات السنين.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى