عاملان أساسيان في البعد السياسي العميق يخدمان مرحليا بقاء واستمرار بقاء حكومة الرئيس عبدالله النسور في الأردن، بالرغم من عودة نغمات الشارع التي تطالب برحيل حكومته أو تستهدف صورته وتحاول تكريسها كرجل «ضرائب» ورفع أسعار ورسوم لا يبحث عن شعبية ولا ينتبه لوجع الناس.
العامل الأول يتمثل في صعوبة، بل استحالة، إسقاط الحكومة شعبيا أو برلمانيا على أساس ان ما تشتكي منه بعض الحلقات الشعبية ضد سياسة الحكومة المالية تحديدا يعكس جرأة في استرسال الحكومة، فيما يسمى بوصفات الإصلاح الاقتصادي التي تستهدف «إرضاء» المجتمع المالي الدولي.
معنى الكلام ان حجم تشبث بعض دوائر القرار العميقة ببقاء حكومة النسور يتزايد وينمو خلف الستارة، كلما ضغط الرجل أكثر باتجاه قرارات «غير شعبية» لإن الكثير من نخب الإدارة العليا كانت تشتكي في الماضي من غياب رئيس وزراء جريء يقرر السياسات التصحيحية، من دون العمل على مجاملة الرأي العام أو خطب وده بالامتناع عن قرارات يرفضها ويلفظها الشارع. أما العامل الثاني، الذي يدفع زمنيا وظرفيا باتجاه تجاهل الإصغاء لإسطوانة رحيل الحكومة، فهو التوقيت الحرج حيث يسود في دوائر مرجعية الانطباع بأن السلطتين التنفيذية والتشريعية حاليا ينبغي ان ترحلا معا، وفي نفس الوقت وفي سياق زمني مرتب مع برنامج الانتخابات العامة المقبل لعام 2017.
طبعا، لا يقف المشهد عندما يتعلق الأمر بأسرار صمود وزارة النسور، رغم العديد من المطبات التي تعرقلت بها أو وضعت في حضنها عند العاملين المشار إليهما، لكنها الأقوى في التأثير خلف الأضواء حيث ان أي نقاش داخل المستويات المعمقة في القرار يتعلق بالحكومة يطرح فورا سؤال «البديل المتاح» وليس البديل الأفضل ولإن النسور لا زال قادرا، خصوصا في المجال الضريبي والمالي، على التمدد أفقيا وعموديا مع أدنى حد محتمل من التكلفة الأمنية والاجتماعية.
الأهم ان النسور «لاعب محنك» وعتيق يعلم مواطن القوة والضعف في المشهد العام ولا يدخل في صراعات مع مراكز قوى داخل الدولة، ولم يفعل ذلك حتى عندما اشتكاه للقصر الملكي عدة مرات النشطاء في قطاع الاستثمار، وحتى عندما تبين في عدة مفاصل أساسية بأن الحكومة خارج التغطية.
لذلك تبدو، في الحساب السياسي المحض، كلفة التخلص من حكومة النسور على المؤسسة وفي الإطار الاجتماعي السياسي «أقل بكثير» من كلفة المجازفة بـ»شريف جديد في المدينة» على حد تعبير رئيس وزراء سابق أبلغ «القدس العربي» بأن حكومة النسور تثير الإعجاب بقدراتها على إظهار أكثر مساحة من «المرونة» وتجنب زحام القلق الذي يحمل بالعادة اسم «الولاية العامة».
لكن ذلك في كل الأحوال لا يضمن لأي حكومة وفي أي وقت شهادة بقاء دائمة على قيد الحياة.
ولا يعني بأن «تفاعلات حراكية» مقلقة بدأت تظهر في الشارع تحت وطأة الانفعال الناتج عن سياسات التسعير والرسوم والضرائب، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد، فحكومة النسور وفي يوم عطلة واحد تجرأت ورفعت أسعار اسطوانة الغاز وترخيص السيارات في الوقت نفسه، ما جدد عاصفة الجدل ضد الوزارة في جملة اعتراضات حادة جدا بدأت تشارك فيها أطراف لا تشارك بالعادة بالاعتراض.
الاحتقان الناتج عن سياسات الحكومة التسعيرية يخدم بالنتيجة حسب الخبراء حالة الإحباط العامة التي تغذي التطرف والتشدد الاجتماعي والديني، ويقلص كما يرى الناشط السياسي البارز مبارك أبو يامين من فعالية الجهد الوطني المسؤول في مكافحة التطرف وتداعياته.
بسبب هذا الإحباط وغياب دور فاعل مركزي لمؤسسة مجلس النواب- يقدر أبو يامين- قد تشهد الحياة العامة المزيد من التخبط.
لكن حكومة النسور لا تبدو مهتمة بالمسألة أصلا لإنها تعلم مسبقا بأن الاعتراضات الشعبية على اتجاهاتها المالية لم تصل بعد إلى المستوى «المقلق» الذي لا يمكن احتواؤه.
وثانيا، لإنها تعلم بأن كثرة الشكوى شعبيا وبرلمانيا منها يزيد رصيدها عند عدة جهات مهمة في الداخل والخارج تطالب بإصلاحات حادة للخلل الاقتصادي والمالي.
لذلك تسترسل الحكومة وبالتزامن في رفع أسعار الماء والكهرباء والغاز والمحروقات وبعض الرسوم من دون مخاوف أو تباطؤ من دون أن يقلص ذلك من النمو الواضح في اتجاهات الاعتراض الشعبي والتي بدأت تدفع بعض أعضاء البرلمان من المحسوبين على السلطة وبعض المتقاعدين العسكريين الكبار إلى مساحات غير مسبوقة من الاعتراض على قرارات وسياسات الحكومة.
حصل ذلك مع نقيب المعلمين، عضو مجلس النواب مصطفى رواشدة، وهو يطالب علنا برحيل الحكومة للضرورة الوطنية ومع الرئيس الجديد للجنة المالية في النواب عبدالرحيم البقاعي وهو يلمح لـ»القدس العربي» بنعومته ودبلوماسيته المعهودة لغياب التنسيق والتشاور في ملفات مهمة ينبغي التشاور بخصوصها مع النواب.
وحصل لاحقا مع جنرال متقاعد خدم مساعدا لمدير الأمن العام هو عباس دبوبي، وهو يتحدث علنا كأحد أبناء الطبقة الوسطى عن «حكومة لا تحترم كرامات المواطن» وعن رغبته في «الهجرة».
بسام البدارين