«فانتازيا» الانتخابات الأردنية: تحرير فلسطين ثم الأندلس / بسام بدارين

قد لا يبدو مضحكا فقط بقدر ما هو مؤشر حيوي على عقل المواطن وفانتازيا الأمل ذلك الفيديو الشهير الذي يتبادله الأردنيون بكثافة لأحد المواطنين الذي قرر ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية بعد إجماع عشيرته عليه.

صاحبنا المرشح رجل طاعن في السن جلس على كرسي بلاستيك بجانب غرفة صفيح في مدينة العقبة وبدأ بإعلان الترشيح وبرنامجه الانتخابي.
برنامج المرشح بسيط ومختصر فالرجل اعلن انه سيحرر فلسطين ولاحقا العراق ثم السعودية وسوريا والجزيرة العربية وسيعمل على تحقيق الوحدة العربية وعلى إستخدام عملة عربية واحدة وتشكيل جيش واحد.

ببساطة فكاهية هادفة إعتذر صاحبنا المرشح العقباوي من الجمهور مسبقا عن تحرير وإعادة الأندلس معتبرا ان إنجاز هذه المهمة قد يتطلب دورة اخرى له في البرلمان.

شريط الفيديو الفانتازي ينتشر بكثافة وكالنار في الهشيم وسط الأردنيين بإعتباره نكتة المرحلة.

محليا عالج المرشح الجهبذ أهم الملفات فوعد بنقل من يقيمون في القصور والفلل في العاصمة عمان إلى أحياء الصفيح في العقبة وبدون مكيفات هواء على انه يتعهد بنقل الشعب والمواطنين الفقراء للإقامة في القصور والفلل التي ستصادر من الحرامية والفاسدين.

طبعا مثل هذه السخرية المؤلمة أفرحت الجميع لكنها- وهذا الأخطر- تعكس مرارة الجمهور من كذبة الانتخابات والديمقراطية واليأس من فشل وعجز وإخفاق مؤسسة البرلمان وإظهار انها مؤسسة لا تقدم ولا تؤخر ولا تفيد بكل الأحوال.

السخرية حاصلة من تضليل خطابات وبرامج المرشحين الذين يزرعون البحر للناس ويطرحون الأوهام ثم سرعان ما يذوبون في مصالحهم الذاتية ويتجاهلون المقترعين ودوائرهم الانتخابية التي يزورونها مجددا في الموسم الانتخابي فيطلقون نفس الوعود الكاذبة والأوهام.

هي بكل حال سخرية مرة من الواقع المعيشي والاقتصادي والسياسي والبرلماني في البلاد قوامها التذكير عمليا بان العبث في الانتخابات بالماضي نتج عنه ممثلون للشعب تحولوا إلى «بصمجية» ومجرد أصوات دون ممارسة حقيقية وجذرية لأي عمل رقابي او تشريعي.

مشاكل الانتخابات في الأردن كثيرة لكن اخطرها اليوم هو انحسار موجة التفاؤل في تفعيلات وتأثيرات كان مخططا لها بقانون الإنتخاب الجديد ودائرة المهرجان المضحك ستكتمل لو قرر أحد ما في مستويات القرار بأن العبث بالنتائج مسألة أساسية ولا يمكن التخلص منها.

الهدف الذي قيل ونفهمه من الترشيح على اساس القوائم الانتخابية هو دمج الناس وتأسيس شراكات بين المواطنين على اساس إنتخابي يعبر الحسابات الضيقة والهويات الفرعية ويزيد من نسبة المشاركة في الإقتراع.

يبدو مثل هذا الهدف النبيل صعب المنال اليوم بسبب الإرباك الشديد الناتج عن صعوبة وتعقيدات تشكيل القوائم الإنتخابية بدون اسس حزبية فأصبحت المسألة قريبة من صيغة مرشح واحد يستقطب آخرين لقائمته ويمولها حتى يفلت هو شخصيا بمقعد برلماني بدون برامج ولا مشاركات ولا إدماج حقيقي.
حتى في بعض دوائر القرار ثمة من يقول اليوم بان صيغة القانون الجديد لم تكن عميقة ومدروسة فالمطلوب اليوم قوائم مدمجة على اساس إما جغرافي او عشائري وبدون برامج حقيقية أو أحزاب وعلى اساس رأس لكل قائمة.

يمكن ببساطة فهم محاولة وزير التنمية السياسية موسى معايطة على انها مخاوف حكومية من تداعيات القوائم الانتخابية عندما يناشد الأردنيين فجأة التوافق على قوائم برامجية…المعايطة لا يخبرنا كيف يقترح بصورة محددة على الأردنيين العمل وفقا لقوائم برامجية في انتخابات يتردد ان قوائمها الانتخابية «وهمية» على حد تعبير سياسي مخضرم وعتيق.

أحد ابرز لاعبي الانتخابات إختار صيغة عبقرية للتعبير عن جوهر وطبيعة القوائم الانتخابية التي يفرضها الواقع الموضوعي بعيدا عن المرامي النبيلة لصيغة الإنتخاب الجديدة فكل قائمة برأي صديقنا ستمتلىء بمرشحين من نوع «س. س».

«س.س» تعني ببساطة وبدون لف ودوران «ساقط سلفا»..بمعنى ان لكل قائمة رأسا واحدا فقط سيدفع المال الممول وسيحظى بالمقعد وما دون ذلك بقية المشاركين بالقائمة ستكون مهمتهم التلقيح لصالح الرأس وجمع الأصوات فقط من اوساطهم الاجتماعية وأقاربهم لصالح القائمة والسقوط في الإقتراع من أجل الزعيم او الرأس.

تورط هذه الصيغة واقعيا المرشحين الأساسيين بحفلة متكاملة من الإبتزاز المالي سيندفع لها كل مرشح «ساقط سلفا» او يعرف بان وظيفته تنحصر في جمع الأصوات والمغادرة.

وبالتالي لا توجد صيغة حقيقية تلزم المشاركين بالقوائم على الولاء للقائمة أو لبرنامجها بسبب ان القوائم شخصية وديمغرافية وليست حزبية ولقناعة كل من قابلتهم من المرشحين حتى الآن بان كل قائمة ستنجح في الحصول على مقعد واحد فقط من المنطقي ان يكون لمن يمول نفقاتها وبأن اي مرشح قوي لن يقبل عمليا بمشاركة مرشح قوي آخر في نفس القائمة والدائرة بالقائمة، الأمر الذي سينعش مهنة الساقطين سلفا باعتبار الطلب عليهم أساسي ونادر في هذا الموسم.

لا توجد عمليا آلية قانونية من اي نوع للتفريق بين المال السياسي او الذي يسميه رئيس هيئة الانتخاب خالد كلالده بالمال الأسود وبين المال المخصص لإدارة نفقات حملة إنتخابية لأن من سيدفع النفقات هو طبعا ودوما من له حصة اوفر في الحصول على المقعد والتالي يحتاج للساقطين سلفا للتلقيح ولتعبئة قائمته بأصوات جماعاتهم ضمانا للحصول على المقعد.

بالتوازي لا توجد آلية قانونية تضمن نزاهة وفعالية وإنتاجية الشراكة داخل قائمة انتخابية بحيث يتحقق الهدف النبيل المعلن بالاندماج وتأسيس شراكات حتى ان القائمة الانتخابية الوحيدة التي اعلنت عن نفسها حتى الآن اضطرت لأداء يمين وقسم داخلي فيما بينها بان لا يخون كل مرشح بقية المرشحين.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى