﴿السَّعَادَةُ﴾
د. ثَرْوَتْ مُوسَى الرَّوَاشْدَهْ
مَنْ مِنَّا لَا يَبْحَثُ عَنِ السَّعَادَةِ وَلَا يَسْعَى لَهَا وَيَمْشِي بِمَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لِلْوُصُولِ لِمُبْتَغَاهُ مِنْهَا فِي كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا.
ذُكِرَتْ كَلِمَةُ السَّعَادَةِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ وَكَأَنَّهُ لَا سَعَادَةَ كَامِلَةٌ فِي غَيْرِهَا.
أَمَّا مَفْهُومُ عِلْمِ النَّفْسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّعَادَةِ فَبِأَنَّهَا نَتَائِجُ الشُّعُورِ وَالوُصُولِ لِدَرَجَةِ رِضَا الفَرْدِ عَنْ حَيَاتِهِ أَوْ جَوْدَةِ حَيَاتِهِ، أَوْ أَنَّهَا الشُّعُورُ المُتَكَرِّرُ لِانْفِعَالَاتٍ أَوْ مَشَاعِرَ سَارَّةٍ، وَفِيهَا الكَثِيرُ مِنَ الفَرَحِ وَالاِنْبِسَاطِ. وَأَظْهَرَتْ دِرَاسَاتٌ أَنَّ حَظَّكَ مِنَ السَّعَادَةِ قَدْ تُحَدِّدُهُ جِينَاتُكَ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا كَبَشَرٍ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَمِنْ تَفْسِيرٍ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَقِيسُ السَّعَادَةَ عَلَى أَسَاسِ القِيمَةِ العُلْيَا الَّتِي تَهُمُّهُ وَحَسْبَ احْتِيَاجِهِ، فَلَوْ سَأَلْتَ شَخْصًا لَدَيْهِ تَقْدِيرُ الذَّاتِ عَالٍ لَأَجَابَكَ بِأَنَّهَا المَكَانَةُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ، وَلَوْ سَأَلْتَ آخَرَ لَأَخْبَرَكَ بِأَنَّهَا المَالُ، وَلَوْ رَأَيْتَ آخَرَ لَأَجَابَكَ بِأَنَّهَا الصِّحَّةُ، وَآخَرَ أَقَرَّ لَكَ بِأَنَّهَا العِلْمُ وَحُصُولُهُ عَلَى أَعْلَى مَرَاحِلِهِ، فَنَرَى هُنَا أَنَّ السَّعَادَةَ لَا تُعْرَفُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ أَوْ ثَابِتٍ.
أَمَّا رُؤْيَتِي لِلسَّعَادَةِ فَهِيَ اِتِّصَالُكَ العَالِي مَعَ اللَّهِ فَتَشْعُرُ بِرَوْعَةِ كُلِّ مَا هُوَ حَوْلَكَ، فَانْظُرْ لِلسَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسَخَّرٌ لَكَ فَيَتَوَغَّلُ شُعُورُ عَظَمَتِهِ بِذَاتِكَ، وَتَزَوَّدُكَ مِنَ الأَعْمَالِ الخَالِصَةِ وَالعِبَادَاتِ هِيَ تِلْكَ اللَّبِنَاتُ الَّتِي تَسِيرُ عَلَيْهَا لِتَفِيضَ بِالسَّلَامِ الدَّاخِلِيِّ وَالرِّضَا وَبِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّرٌ لَكَ فَلَا تَغْضَبْ وَلَا تَسْخَطْ.
فَالسَّعَادَةُ مَعَ اللَّهِ شُعُورٌ يُولَدُ وَيَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ سُجُودٍ وَفِي كُلِّ دَعْوَةٍ تَدْعُوهَا وَرَجَاءٍ تَرْجُوهُ، فَيَقْبَلُكَ بِكُلِّ حَالَاتِكَ وَبِكُلِّ لُغَاتِكَ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ الوُجُودِ وَالبَهْجَةِ وَالسَّعَادَةِ الحَقِّ.