#يوميات_معلم / أسامة أبو احسيان

#يوميات_معلم

هاهُنا في سماءِ المملكةِ يقفُ المعلمون مطالبين بحقِّهم. خرجوا من عتمة الغُرفِ الصّفيّة، الصانعَة للفِكرِ العالمي، الكامِشة لبصرِ المُعلم إذا خرج للضوءِ. ورتّبوا الصّباح ليناسب المطالبة بالكرامة، المنسيّة على أدراج الموازنة، ولم ينسوا الوقوف على سارية العلم بكلِّ ثقة. عصروا دَمهم وأعصابَهم، ليتشكّل الحرفُ على السّبورةِ، ولتتّضِح معادلةُ الحياةِ أمامَ أعْيُن طلبتهم. وقفوا ساعات أبديَّة في مراقبةِ الفِكرة، وهي تكبر في أدمغةِ الطلبة، ويتبعونَهم في الطّرقات والممرات؛ لتنضجُ سليمةً معافيةً من الثغرات والنعرات.
يشربونَ تعبَهم بينَ الحصصِ بكأسٍ الشاي الحار في بدايته، والمرجوعِ إليهِ كقطعة الثلج في نهاية الحصة؛ أي قهر لا يسعنا لرشفةِ راحةِ. هم الضباط السائرون في الفرصَة، الفاقدةِ للأماكنَ الآمنةِ من المُرفقات العامة؛ لكنّهم يسدون العَجز بأرواحِهم السّائرة بين الطلبةِ، تحتَ نصفِ ساعةٍ من الشمسِ، ونصف ساعةٍ عند انتهاءِ الدوامِ، وبدايته. هم المعلمون العائدون إلى منازلِهم، برفقةِ الأبيض المُسطّر، والأزرقِ الموقّع المُهدد بالعقوبةِ في كل أسبوع، وذاكرتِهم تنهمرُ بأسماءِ الطلبة، وتدقيقِ علاماتِهم بالدليلِ والبرهان المُبين، وتوثيقها بالجّهاز، ناهيكَ عن تعطيل الشّبكة، وقرب موعد التسليمِ. عراك دائم، وسباقٌ مستمر من مرحلةٍ ذهنيّة إلى مرحلةٍ أخرى.
لحظةُ جمودِ العمرِ، يدخل وظيفَته في سوادِ الأمل، ويهرمُ من بياضِ النكرانِ. وتكبُر ذاكرتُهم المُرهقة المليئة بالسّجلاتِ والصّورِ والعلاماتِ. من يملكُ منا علاج راحةٍ للذاكرةِ؟! ويعودُ إلى عرينِهِ بالعزيمة والإصرار؛ ليمسح المواجع عن أكتاف الطّلبة، ويعلّقُ عليها رُتب النجاح، محاسبًا نفسُه في كلّ كلمة؛ خشيةً من خدشِ الشّعورِ، ويأسِ الأفعال. يرممونَ واقعَ الطلبة بكلماتٍ ليست كالكمات؛ تحتاجُ إلى معلم ينهضُ بها، ويبثّ روحُ الحياةِ العلميّة؛ ليشعلَ فانوسُ الأملِ في أخاديدِ النّفوسِ، وينقذهم من أيدي الشارع المهدد. كلمتهُ هي الراسخةُ في شواطئ العالم المُتقلب، وقلمه الفِكر النُّهضوي، وفعلهُ سطورٌ تُؤرَّخ بالذهبِ. من غيرهِ حامل رسالةَ الأنبياءِ؟! ومهارات تُكاد تسمى بالمعجزاتِ. هل يستحقُ هذا التصادم بعدما رسمَ صورةَ الوطنِ المُشرقة في مخيّلة طلابِه؟! أتمنى ألّا نعودُ مخذولينَ محملين سفرَ القمع.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى