وقف النقابات المهنية عن العمل في ضوء الاحكام الدستورية والقانونية

وقف النقابات المهنية عن العمل في ضوء الاحكام الدستورية والقانونية
د. حازم سليمان التوبات

إنشاء النقابات والانضمام اليها هي من الحقوق المعترف بها دستوريا ودوليا والتي لا يجوز تعطيلها لأي سبب كان, فالدستور الاردني نص في المادة 16/2( للاردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور.( من هذا النص نجد أن الدستور الاردني قد أعطى للنقابات أهمية خاصة من حيث أنه اشترط ان تكون مرجعية النظم التي تقوم عليها النقابات هي أحكام الدستور وليس القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية وبربط هذا النص مع نص المادة 128/1 من الدستور والتي تنص على أنه (لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها) فإننا نجد أن الدستور قد وضع كذلك قيدا على القوانين التي تنظم الحقوق والحريات بأن لا تؤثر على جوهر الحقوق أو تمس أساسياتها ومنها حق الانضمام للنقابات وممارسة العمل النقابي )
وعند البحث في القوانين التي تنظم العمل النقابي نجد أن النقابات المهنية وبعكس النقابات العمالية قد انشئت بموجب قانون خاص بكل نقابة , فهناك قانون خاص بنقابة المحامين وهناك قانون خاص بنقابة الاطباء وهناك قانون خاص بنقابة المعلمين وهذكذا الحال لجميع النقابات المهنية. لذلك فان القانون المختص بتنظيم عمل نقابة المعلمين هو قانون نقابة المعلمين رقم 14لسنة 2011 وتعديلاته .
وباستعراض النصوص القانونية التي جاءت بقانون نقابة المعلمين نجد أن هذا القانون قد خلا من أي نص قانوني يجيز وقف النقابة عن العمل انطلاقا من أن هذا الوقف لو تم النص عليه سيشكل مخالفة صريحة للاحكام الدستورية واعتداء صارخ على حق الانضمام الى النقابات وممارسة العمل النقابي مما يعني عدم دستورية هذا النص ويكون بالتالي حري بالالغاء استنادا الى مبدأ سمو الدستور. ولكننا بالمقابل نجد أن هناك نص قانوني هو نص المادة 22 قد نص على الحالات التي يفقد فيها النقيب ونائبه وأي عضو في النقابة عضويته في مجلس النقابة, فجاء النص كالتالي( يعد النقيب ونائبة و عضو المجلس فاقداً لعضويته بقرار من المجلس في اي من الحالات التالية :
أ -إذا تغيب عن حضور ثلاثة اجتماعات متتالية أو ستة اجتماعات متفرقة دون عذر يقبله المجلس .
ب -إذا صدر بحقه حكم اكتسب الدرجة القطعية لارتكابه جناية أو جنحة مخلة بالشرف.
ج -اذا فقد صفته كمعلم .)
هذا النص قد تم صياغته صياغة جامدة لا تحتمل التأويل والقياس لانه عدد هذه الحالات على سبيل الحصر وبالتالي أغلق الطريق أمام السلطة التنفيذية والنيابة العامة أن تتخذ أي قرار يجرد أي عضو من أعضاء مجلس النقابة من عضويته , وأي قرار يصدر خلافا لهذا النص فهو قرار منعدم لا يحدث أي اثر قانوني.
هذا النص كذلك أعطى الصلاحية باتخاذ قرار فقدان العضوية لمجلس النقابة نفسه وليس لاي جهة أخرى.
أما موضوع حل مجلس النقابة ككل فقد نص القانون كذلك وبأسلوب الصياغة الجامدة التي لا تحتمل التفسير والتأويل على حالتين على سبيل الحصر هما ما نصت عليهما المادة 27(يُحل مجلس النقابة في أي من الحالتين التاليتين :-
1. بموافقة ثلثي أعضاء الهيئة المركزية للنقابة في اجتماع تعقده لهذه الغاية على أن تنظم جميع الأمور المتعلقة بالاجتماع بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية
2. بقرار قضائي قطعي إذا خالف المجلس أحكام هذا القانون .
ب- يشكل الوزير لجنة من الهيئة العامة للنقابة تقوم مقام المجلس المنحل لحين انتخاب مجلس جديد خلال مدة ستة اشهر من تاريخ الحل .
ج- يحدد النظام كيفية تشكيل اللجنة .)
هذا النص القانوني كذلك لم يجز ان يتم حل مجلس النقابة الا بموجب حكم قضائي قطعي صادر عن محكمة مختصة ونجد كذلك أن هذا النص لم ينص على جواز كف يد اعضاء النقابة عن ادارة شؤون النقابة اثناء التحقيق معهم انطلاقا من المبدأ الدستوري المقرر في المادة 101/4 والذي ينص على ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي( وانطلاقا من أن كف يد اعضاء المجلس عن العمل فيه تعطيل لحق مقرر بموجب الاحكام الدستورية لا يمكن تعطيله وان هذا التعطيل لا يمس أعضاء المجلس فحسب بل يمس حق جميع الاعضاء المنتسبين للنقابة وتعطيل لإراتهم واصواتهم الانتخابية التي جاءت بأعضاء هذا المجلس, والتي لا يمكن تجاوزها بقرار من قبل السلطة التنفيذية أو النيابة العامة باعتبارهما طرفا في الخصومة المنظورة أمام القضاء وانما يجب يستمر المجلس بممارسة مهامه لحين صدور حكم قضائي قطعي بالحل. وفي حال صدور قرار قضائي قطعي بالحل فإن القانون الزم وزير التربية بتشكيل لجنة من الهيئة العامة للنقابة تقوم مقام المجلس المنحل لحين انتخاب مجلس جديد خلال مدة ستة اشهر من تاريخ الحل. هنا نلاحظ من هذا النص أن اللجنة التي يشكلها الوزير يجب أن تكون من الهيئة العامة ( المعلمين) وبالتالي فإن أي لجنة يتم تشكيلها من غير الهيئة العامة فهبي باطلة قانونا. والزم القانون كذلك أن يتم اجراء انتخابات جديدة ينبثق عنها مجلس جديد خلال مدة لا تتجاوز 6 شهور . وهنا مدة الشهور السته هي المدة القصوى التي لايجوز تجاوزها دون اجراء الانتخابات , بالرغم من ان اللجنة المشكلة هي من الهيئة العامة للمعلمين ولكن القانون اشترط الا تزيد المدة عن 6 شهور انطلاقا من اساس عمل النقابات هو الانتخاب وليس التعيين وبالتالي فان تجاوز مدة ال(6) شهور دون اجراء الانتخابات هو تجاوز لاحكام القانون.
أما فيما يتعلق بقانون العقوبات فنجد أن الفصل الثاني من الباب الثاني قد جاء تحت عنوان ( التدابير الاحترازية بصورة عامة) في حين أن الباب ككل جاء تحت عنوان ( الاحكام الجزائية) .فقد نصت المادة (36 ( منه (يمكن وقف كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية ما خلا الادارات العامة اذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها بأسمها أو بأحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل). وتنص المادة 37 على أنه يمكن حل الهيئات المذكورة في الحالات التي أشارت اليها المادة السابقة: أ- اذا لم تتقيد بموجبات التأسيس القانونية. ب- اذا كانت الغاية من تأسيسها مخالفة للقوانين أو كانت تستهدف في الواقع مثل هذه الغايات. ج- اذا خالفت الأحكام القانونية المنصوص عليها تحت طائلة الحل. د- اذا كانت قد وقفت بموجب قرار مبرم لم تمر عليه خمس سنوات. وجاء في نص المادة (38( 1. يقضى بالوقف شهرا على الأقل وسنتين على الأكثر وهو يوجب وقف اعمال الهيئة كافة وان تبدل الاسم يقضى بالوقف شهرا واختلف المديرون أو أعضاء الادارة ويحول دون التنازل عن المحل بشرط الاحتفاظ بحقوق الغير ذي النية الحسنة. 2. ويوجب الحل تصفية أموال الهيئة الاعتبارية ، ويفقد المديرون أو أعضاء الادارة وكل مسؤول شخصيا عن الجريمة الأهلية لتأسيس هيئة مماثلة أو ادارتها.
بخصوص هذه المواد فإنني هنا أشير الى ما ذكره القاضي المتقاعد (لؤي عبيدات) بخصوص تفسير هذه المواد من حيث أن وقف النقابات عن العمل هو من اختصاص المحكمة وليس من اختصاص النيابة العامة انطلاقا من أن هذا المواد قد جاءت في قانون موضوعي يحدد الجريمة والعقوبة وليس اجرائي يحدد اجراءات التقاضي كقانون اصول المحاكمات الجزائية . وجاءت كذلك تحت باب( الاحكام الجزائية ) وان الحكم الجزائي لا يصدر الا من محكمة مختصة. وبالتالي فان النيابة العامه ليست صاحبة الاختصاص بإصدار القرار بوقف النقابة عن العمل وإغلاق مقرها .
أما ما أريد قوله في هذا المجال أن هذه النصوص القانونية قد صدرت في عام 1960 وفي ذلك الوقت لم يكن الدستور الاردني ينص على الحق في تكوين النقابات والانضمام اليها كحق اساسي من حقوق الاردنيين. حيث أن هذا الحق قد تم النص عليه بموجب التعديلات الدستورية لعام 2011 , وبالتالي فإن هذا النصوص وان كنا نؤمن بأنها قابلة للتطبيق من قبل المحكمة فقط دون النيابة العامة الا انها اصبحت تتعارض مع النص الدستوري الذي كفل الحق في العمل النقابي مما يستلزم تعديلها لحذف كلمة النقابات من نص المادة 37 انطلاقا من مبدأ سمو الدستور, هذا من جانب ومن جانب آخر فان هذه القواعد القانونية هي قواعد قانونية عامة قياسا للقواعد القانونية الخاصة التي جاء بها قانون نقابة المعلمين الصادر سنة 2011 واستنادا الى المبدأ الذي استقر عليه الفقه والقضاء بأن القواعد القانونية الخاصة تقييد وأولى بالتطبيق من القواعد القانونية الخاصة فإن هذه النصوص القانونية التي وردت في قانون العقوبات لا تطبق على النقابات المهنية لان هذه النقابات تحتكم للقانون الذي أنشأءها. واستنادا كذلك الى قاعدة أن القواعد القانونية اللاحقة تقييد القواعد القانونية السابقة .
نستنتج مما سبق أن القرار الصادر عن النائب العام بخصوص كف يد أعضاء مجلس النقابة هو قرار منعدم لمخالفته لاحكام الدستور وأحكام نقابة المعلمين الاولى بالتطبيق من قانون العقوبات وأن القول بأن قرار النيابة العامة هو (كف يد المجلس عن النقابة) وان كف اليد يختلف عن قرار الحل فإنني أقول بأن هذا القول وهذا الاختلاف يتلاشى في حال النقابات المهنية التي يتم انتخاب اعضائها لمدة مؤقته , فكف اليد يقال بحق الموظف الذي تربطه بالوظيفة صفة الديمومة فيتم كف يده عن الوظيفة لفترة مؤقته لحين انتهاء التحقيق ثم يعود لوظيفته اذا ثبتت براءته وهذا لا ينطبق على مجلس نقابة منتحب لفترة محددة فتقوم بكف يده عن النقابة لمدة سنتين وهي المدة المتبقية من عمر المجلس مما يعني أن كف اليد بهذه الحالة هو حل للمجلس الذي استلزم القانون أن يتم بموجب حكم قضائي قطعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى