حنان مؤقت!

مقال الاثنين 1-2-2016
حنان مؤقت!
يروي لي أحد الأصدقاء قصته عندما كان طفلاً،و كيف تدفّقت عليه ينابيع الحنان يوم وفاة أمه وما تلاها في الأيام الثلاثة الأولى من العزاء، حيث لم تتركه جارة او قريبة الا و”دحشت” الطعام في فمه عنوة حتى وهو في مرحلة ما بعد الإشباع ، ويقول كانت الأيام الوحيدة في حياتي التي افطر فيها عشر مرات وأتغدّى عشر مرات وأتعشى عشر مرات..لكن بعد الأيام الثلاثة الأولى…بقيت شهوراً أتضور جوعاً عندما نسيني أقرب الناس إلي…
طفل الكمالية..اصطادته كاميرا المصور الصحفي “فارس خليفة” وهو في قمة نبله الطفولي، فجاء الرد من طفل نقي نطق بلسان الأردنيين على كل سياسات التجويع التي انتهجتها وتنتهجها الحكومة ومن سبقتها “احنا مش شحّادين”!! ..فالتفتت الناس للمأساة..ألاف من المواطنين وانا منهم تعاطفوا معه وذرفوا دمعاً ساخناَ على ظروفه القاسية ..وآلاف من المتابعين بحثوا عن عنوانه وسألوا عن مسكنه ليقدّموا له مساعدة مجزية للطفل “الوطن” واعتقد أنه يستحق أكثر.
.لكن ماذا عن أشباه وديع..وامثال وديع..ورفاق وديع من السائرين على درب الآلام؟؟..
ماذا عن العائلات التي لم تصل لها كاميرا الصحافة ، ولم تصطدها عدسة “رقيقة” مثل عدسة “فارس”؟؟..ماذا عن باعة الدفاتر الآخرين من الأطفال الذين ما زالوا يعملون حتى ساعات الليل ليساعدوا أمّاً عفيفة ..او اباً مريض؟؟..كل ما نفعله أننا نحيد عنهم اذا ما كنا مشاة ، او نرفع زجاج سياراتنا فور اقترابهم منا كي لا نسمع أصواتهم ونداءهم على بضاعتهم….
في يوم “الثلجة” ..كمّ من المارّين رفضوا شراء دفاتر الرسم من الطفل وديع؟ ..وكم منهم نهره أو تجاهله او لم يلتفت لما بين يديه حتى؟…وعندما احتل صفحات الفيسبوك وارتفع رصيده من “اللايك والشير” ..تعاطفنا معه ونحن قرب مدافئنا وبين أولادنا وصرنا نبحث عن مكان إقامته وجنسيته لنحدد قيمة المساعدة …ترى لماذا تحتاج ضمائرنا دائماً إلى وخزة موجعة حتى تصحو من غيبوبة “الأنا” المفرطة والمادية المغرقة…
**
هذه المرة ليست مسؤولية الحكومة ولا وزارة التنمية بقدر ما هي مسؤوليتنا نحن..الم يقل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم: (أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)…لم يقل الوالي ولم يقل وزارة التنمية الاجتماعية..ولم يقل الحكومة…قال..اهل الحي..لأن مسؤولية التكافل الاجتماعي..هي مسؤولية مجتمعية اكثر منها رعوية …في السابق كنا في الحارة نعرف الفقير من الغني..نعرف الأرملة واليتيم..والعاجز..يتفقدهم أباؤنا كما يتفقدون عوائلهم ، في الشتاء لهم حصة وفي الصيف حصة وعند العيد حصة …
الآن الجار لا يعرف عن جاره شيئاً ولا يعنيه ان يعرف ولا يحب أن يعرف..صرنا مثل المساجين السياسيين كل يمضي الى زنزانته الاسمنتية..ولا يريد ان يدخل بحوار مع جاره…
**
نحن شعب طيّب وعاطفي وكريم حقاً ..لكن المشكلة في “حناننا المؤقت”..لا نستطيع ان نكرّس هذا الحنان الى حنان مؤسسي مستديم يخدم ويستمر…نحزن ونتعاطف ونتساعد ثم ننسى …ثم تبات المشاعر لوخزة أخرى…أكثر ما أخشاه ان أرى وديع يبيع دفاتر الرسم من جديد بعد شهور..بعد ان ينساه المتعاطفون…فالحياة مستمرة بقساوتها..ولعدسة الكاميرا مدة صلاحية…وعمر افتراضي….لكن عمر الفقراء ليس افتراضيا على الإطلاق..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كل ما قلته جميل استاذنا وأخص ما قلته عن الجار…الجاااااااار تلك هي المعضلة ورب السماء لو ان كل واحد فينا أدى حق جاره لصلحت الدنيا ولأصبح الكون عمارا…الجار الذي كاد ان يكون وريثا…هذا القريب المقرب …الذي في اكثر الاحيان يفصله عن جاره حائط من الحجارة..كانوا قديما يثمنون البيت بجواره…لانه كان للجار قيمة وللجار شأن عند جاره فيقولون انت جار فلان وجار فلان وهذا يمنح البيت قدرا ويجعله نفيسا ..متى كان يحصل ذلك ؟؟ حين كان الجار يدري عن جاره يعرف اسمه الرباعي …فمتى ندري بماذا يشتغل جارنا وما هي صنعته وكم افراد عائلته وندري متى يفرح ومتى يعرف الحزن داره….الله وحده يدري

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى