كورونا.. وبلادة حِسنا الجمعي نحو دورة الحياة

كورونا.. وبلادة حِسنا الجمعي نحو دورة الحياة
ا.د حسين محادين

(1)
الإنسان “مفقود بين لحظتين هما الميلاد والوفاة- المعتزلة”.

(2)
دورة الحياة، مفهوم صاغه أصحاب الاختصاص في علم الانسان
“الانثربولوجيا”
تاريخيا، ويعني علميا ببساطة عملية رصد وتحليل الاستنتاج لمعاني مسيرة الإنسان، وفقا لخصوصية الثقافة، والطقوس المتبعة والسائدة في كل مجتمع التي تبدأ منذ :-
– لحظة ولادته والاحتفال بأسبوع على ولادته عند البعض؛
.
– الحفلات المتبعة عند طهُور الذكور في بعض المجتمعات.
-إحياء أغلبنا ذكورا واناث لذكرى ميلادهما سنوياً، مرورا في نجاحاته المدرسية والجامعية والوظيفية بصعوباتها ونجاحها معا. ولاننسى ايضا المعاني الاجتماعية والوظائف التضامية المُستفادة من قِبل الأفراد والجماعات نتيجة لاقامتهم مناسبات الأتراح والافراح والمشاركة الجماعية في إقامة الولائم والحفلات المختلفة الاسماء عموما.
وفي ختام كل ما سبق من الطقوس المصاحبة لحالات الوفاة والدفن ومظاهر العزاء ، وما يلي ذلك من تشبث بذكريات المتوفى كزيارة أهل الفقيد للمقابر ،أو عبر زيارة الأقارب والأصدقاء الى أهل الفقيد في أول عيد، بما في ذلك إقامة الذكرى السنوية لوفاة الأشخاص العامين في حقول السياسية أو الثقافة أو العسكرية واداء العبادات الدينية الجماعية المنتظمة في الكنائس والمساجد وغيرهما…الخ.
(3)
ماذا فعلت عدوى كورونا بجانبها الاجتماعي الثقافي في دورة حياتنا هذه عربا ومسلمين، بحكم سيادة القيم الجماعية لدينا، لهذا نحن المعنيون علميا وحياتنا في رصد واستناج طبيعة واتجاه التغييرات الناجمة عن كورونا، بحكم عاداتنا وتقاليدنا الراسخة والملزمة لجُلنا في الاحتفالات والولائم واهتمامنا التاريخي في حضور العزاءات الكبيرة، وباعداد أكثر في مناسبات الموت بالتحديد.
(4)
وماذا عن مآلات التهاني والتهادي المتبعة في مناسبات النجاحات والافراح حسب الطقوس الخاصة بكل جماعة ومجتمع، مع ملاحظة وجود ثقافات فرعية في مجتمعاتنا هي؛ البادية،الريف،القرية،المدينة والمخيم؛ ولكل منها تأثير بتحديات وخطورة عدوى الكورنا كذلك.
( 5)
لقد قادتنا ضبابية فايروس وجائحة الكورونا والحملات الإعلامية المخيفة التي صاحبتهما إلى؛ التزامنا وقبولنا الضمني ،عربا ومسلمين وكجزء من الشعوب الأخرى إلى؛ تهديد واطفاء الكثير من معاني وطقوس دورة حياتنا ومصاحباتها السلوكية التي كانت تُعبر عن خصوصيتنا كجزء حضاري من البشرية بل وحرمتنا من اداء العبادات الدينية الجماعية المنتظمة في الكنائس والمساجد وغيرهما .
أقول قادتنا كورونا عنوة إلى ممارسات اجتماعية وثقافية حياتية جديدة على ذواتنا ،وتاريخنا ممثلا بماهو آتِ :-
أ- الحجر الصحي في البيوت أو حتى الخيام الأمر الذي افقدنا متعة التفاعل الاجتماعي الوجاهي الحيّ ،وجها الى وجه دون وسيط إلكتروني مثلا،وهذا الذي ألفناه عبر الاجيال، وأصبحنا نتمنى عودته تحقيقا لهويتنا الاجتماعية الثقافية الجماعية تاريخيا.
ب- لم نُعد نشارك جماعيا في الطقوس المصاحبة لكل عناوين الاتراح والأفراح المختلفة،إذ اصبحت مقتصرة على عدد قليل جدا من الافراد المعنيون بأي من هذه المناسبات المدعمة التماسك المجتمع عبر ارتفاع منسوب حسنا الجمعي كمجتمعات شرقية نامية.
ج- الفضاءات العامة كالشارع،الحدائق،
الشواطئ تأثرت سلبيا، وفأصبحت غير جاذبة للجموع والصخب والمُتع ،إذ أصبح الناس فرادى بسبب ضرورة التزامهم بارتداء القفازات والكمامات علاوة على إلزامية التباعد الجسدي بين الناس ، وكل هذه المعطيات اجهزت على وهج الفرح والمتع التي كنا نعيشها قبل مجيء الكرونا للأسف.
د- حتى صدمة الموت الموجعة لقدسيتها والطقوس المصاحبة له، اصبحت بلا نبض أو حتى احساس وجداني عميق وطاغِ مقارنة بالماضي،فقد اكتفينا هذه الايام، بسماع ارقام الموتى من المصابين في العالم كأرقام صماء، وحتى الأقرباء والاصدقاء لنا، من المتوفين لم يُعد بوسعنا مشاركة ذويهم في مراسم الدفن، أو العزاء فنكتفي حكما بهاتف بارد معهم ،أو بطاقة تعزية مُعلبة عبر اي من وسائل التواصل الاجتماعية البليدة الاحساس، والناقصة الواجب دينينا اجتماعيا في آن، لكنها الكورنا سيدة الموقف والإكراه طبيا ورسميا حاليا وفي المستقبل…يا للوجع.
*عميد كلية العلوم الاجتماعية-جامعة مؤتة.
*عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى