أم الغيث و(اومولو) ..ونحن / يوسف غيشان

أم الغيث و(اومولو) ..ونحن

في اعماق غابات البرازيل، تعيش قبائل زنجية تتعرض للقهر والإفقار، لكنها تلجأ الى آلهتها اومولو، آلهة الغابات الأفريقية، التي نقلوها معهم من موطنهم الأصلي. في يوم محدد في العام تلبس فتاة زنجية ملابس اومولو، حيث تظهر بثيابها الطقوسية الحمرا، وتعلن لأبنائها الفقراء بأن بؤسهم سينتهي قريبا، لأنها ستنشر الجدري، بين الأغنياء، وأن يوم انتقام الفقراء قد أزف. وكانت الزنجيات يرقصن والرجال يمرحون مبتهجين فقد اصبح يوم الانتقام قريبا.
وهكذا، يستمر الفرح حتى نهاية العام وقدوم يوم امولو مرة اخرى. وحينما كان ينتشر الجدري فعلا، تسقط الضحايا من بين الفقراء اكثر بكثير من الأغنياء، لأن اولولو خاصتهم لا تجيد تصنيع اللقاحات…ومع ذلك تستمر الأفراح.
وفي بلدي الأردن، وربما في بلاد عربية اخرى، قبل عقود، كانت النساء، حينما يتأخر الموسم المطري تصنع دمية على شكل امرأة يسمونها ام الغيث، ثم يتجمع اهل القرية في مسيرة غنائية وهو ينشدون:
يا ام الغيث غيثينا
او بللي اراضينا
ومقاطع كثيرة لا اذكرها، مع اني شاركت طفلا في هذه الاحتفالات.
تذكرت هذه التهويمات الوثنية التي لم تتخلص منها الشعوب بعد، رغم اعتناقها الديانات السماوية منذ قرون. لأنها لم تتخلص بعد من رد الفعل السلبي على القهر والجوع.
رغم اننا لا نرقص للآلهة الوثنية، ولم نعد نمارس مظاهرات (ام الغيث)، الا ان افعالنا ولردود افعالنا ما زالت تدور في ذات البنديرة.
كل حدث لا يعجبنا، كل موقف ..كل استفتاء…. نجد ان ردود افعالنا انحصرت وانحسرت ردود افعالنا على الشتائم، والتمنيات للأعداء بالموت الزؤام والزوال، وأن تفشل مخططاتهم ضدنا، دون ان نكلف انفسنا عناء معالجة امراضنا او الوقوف في وجه الأوبئة….. تماما كما تفعل قبائل الأومولو.
لا حكوماتنا ولا شعوبنا، تضع نفسها امام مسؤولياتها التاريخية، وتبحث عن اساليب لمواجهة القادم، مهما كان، نحن نتلقى ردود الفعل فقط، ونرد عليها بثرثرة كلامية لا تعني شيئا.
هل نحتاج الى تقوية اللوبيات العربية، لترد على اللوبيات المعادية التي تنتشر في جوف هذا الوحش الأعمى(العالم) ؟
هل نحتاج الى (تحمير اعيننا) والرد بقوة ؟
لا اعرف ماذا علينا ان نفعل، حتى لو عرفت، فلست في مركز القرار…لكن الذي اعرفه تماما، هو اننا اذا بقينا على هذه الحالة، فلن نكون اقل بدائية من زنوج البرازيل وآلهتم (اومولو)..وأننا سوف نصاب بجدري العصر الجديد، الذي لم يكتشفوا له لقاحا بعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى