وطني رأسٌ كاملة / #كامل #لنصيرات
كان هنا ؛ ولداً فوضى ؛ مثل تراتيلِ الدهرِ ؛ شهيّة روحٍ و عذابات ضلوعٍ ..يلبسُ وردَ الخوف ولا يبلى ..ويعانقُ شوقَ الخطواتِ ..يرى وطناً في كلِّ طريقٍ..راح يُجمِّعُ أوطاناً متناثرةً ..يحرسها من عينِ الحسّاد..يهرِّبُ فلفلهُ للشهقات..يبري قلماً كي يكتبَ في ألف فراغٍ : وطني وطني وطني ..!
لكنّ الوطنَ المسحوبَ إلى المعركةِ الكبرى يرفضُ أن يحلقَ شعرَ حبيبته..يرفضُ أن يرقصَ فوق عيونِ امرأةٍ كانت تطعِمُه وقتَ الجوع المؤمنِ و الجوع الكافرِ.. كانت تتسلّلُ في الليلِ و تُهديه القبلات..وكانت تسرقُ من كُحلتها وتلاعبُ عينيه الناعستين لعلّ الولدَ التائهَ يأتي و يشارك في اللعبة ..!
كان هنا..ولداً خارطةً..يجمعُ طلاّب الصفِّ السادسِ ..يرسمُ بالطبشورةِ فوق الجدران بقايا وطنٍ تنقصُهُ الروحُ و تنقصُهُ الثوراتُ ..فيأتي الأستاذُ و يلقي القبضَ على الطقسِ الفالتِ :-
- لمَ لمْ ترسمْ فوق اللوحِ هنا يا حيوانُ..؟ لقد شوّهتَ الجدران و خرّبتَ بفوضاكَ الدنيا..!!
- لا يا استاذُ..رجاءً ..وطني ليس على اللوحِ فقطْ ..وطني فوق الجدرانِ وفوق الخزّانِ وفوق الدكّانِ و فوق الرمانِ وفوق الهذيانِ وفوق التوهانِ وفوق العمرِ الهاربِ في كلّ مكانٍ ..وطني فوق القلبِ و ليس نقيصَ الحظِّ لكي يتبروزَ في صورةِ خارطةٍ ضائعةٍ ..وطني أكبر من أن تُلقي القبضَ عليه و تعلنَهُ درساً مخفوضِ الرأسِ..وطني رأسٌ كاملةٌ رغمَ الفقرِ و رغمَ الأسرِ و رغمَ الحربِ و رغمَ الحيتانِ و رغمَ طباشيرِ الدرسِ الكاذب..!
غضب الأستاذُ وبرطمَ : يا أولادَ الوجعِ المنسيِّ كفاكم خرفنةً ؛ هوجنةً ؛ وجنوناً يُحرق فيه الأخضرُ واليابسُ..!! هاج الطلابُ وماجوا ..سرقوا كلَّ طباشيرِ الصفِّ وراحوا يضعون الوطنَ المجروحَ على كلّ جدارٍ ..ملأوا الدنيا وطناً ..صوتُ نشيجٍ يأتي من خلف الطلابِ..امرأةٌ تهتفُ للولدِ التائهِ و تشجِّعُهُ : وطني وطني وطني ..
هذا وطنٌ لا يعرفُهُ إلاّ من خبّأهُ في صُرةِ قلبٍ وقتَ تنادى السُّرّاقُ إليه..!