وراء الحدث

وراء الحدث
د. هاشم غرايبه
يحكى أنه في اجتماع خلال #الحرب_العالمية_الثانية ضم قادة #الحلفاء: مرر #تشرشل الى #روزفلت ورقة صغيره، قرأها ثم أحرقها بسيجارته ، وكتب الى تشرشل ورقة فمزقها ورماها في المنفضة، تمكنت المخابرات الروسية من تجميع القصاصات، فوجدوه كتب: “لا تخف فالنسر العجوز لن يغادر عشه”، فاعتقدوا انه يعني بالنسر زعيمهم “ستالين” وأن هنالك مؤامرة لاغتياله، فقاموا باحتياطات مكثفة، إلا أن شيئا لم يحدث.
لكن ظل ما كتبه “تشرشل” في الورقة سرا، ولما سئل فيما بعد عنها أجاب ضاحكا: كتبت له انتبه فسحاب بنطلونك مفتوح!.
تأتي الحرب بين #الروس والغرب في الساحة #الأوكرانية، لتثبت حتمية قائمة منذ أنزل الله بني آدم الأرض، وهي أن الصراع بين باطلين يطول وباق أبد الدهر، والصراع بين حق وباطل مهما طال ففي نهاية المطاف سيتغلب الحق: “..إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” [الإسراء:81]، والصراع بين حقين لا يكون.
يمكن تطبيق هذه القاعدة على كل الصراعات، قديمها وحديثها، وبلا استثناء، ولأن البشر يميلون الى الإنحراف، وأكثر بكثير من الاستقامة، فلا شك أن صراعاتهم ستستمر.
ولأن المعسكرين الغربي (أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا)، والشرقي (الروس والصينيين) كليهما على باطل، فسيبقيان في صراع دائم، الحالة الوحيدة التي يلتقيان بها هي التحالف ضد أتباع منهج الله.
عندما تفسخ المعسكر الشرقي من داخله في عام 1991، وليس إثر مواجهة عسكرية، اراد الغرب ترسيخ انهزامه، ففرضوا عليه أوضاعا لمنع عودته لتشكيل قوة مكافئة، الصينيون فضلوا المناجزة الاقتصادية الأقل كلفة من سباق التسلح، أما الروس فواصلوا بناءهم للقوة العسكرية بطريقة ناعمة، أي الإثبات للغرب بأن قوتهم لتنفيذ مآربهم وليس لمجابهتهم.
ولما كانت الرأسمالية لا تزدهر بلا نزاعات وحروب لتصريف الفائض الهائل من المنتجات العسكرية وغير العسكرية، فقد واصل الغرب نهجه بتنشيط التوترات والنزاعات، فقامت أمريكا باستفزاز روسيا بضم دول البلطيق لحلف الناتو، ونشرت فيها قواعد أمريكية، ثم أغرت أوكرانيا بالإنضمام للحلف، مما يعني إحكام الحصار على الروس، مما دفعهم لاحتلال شبه جزيرة القرم لضمان وصول بحريتهم للمياه الدافئة، لأن دخول أوكرانيا في الحلف سيهدد هذا التواصل، لكننا رأينا خلال الشهرين الماضيين، كيف جعل الضخ الإعلامي الغربي، هجوم الروس على أوكرانيا حتميا، ودفعهم لذلك دفعا لجعله خيارهم الوحيد.
بطبيعة الحال لا أحد يحب الحروب وويلاتها، وكانت التجربة الأوروبية مريرة بما فيه الكفاية لجعلهم يتجنبون المواجهات الكبرى، لذلك يحذرها الأوروبيون، وينحصر همّهم بالتحريض المزدوج لجعل الصراعات محلية لا تتوسع الى دولهم.
الآن ما زالت الأمور تسير وفق ما يوافق مصالحهم من خلال الخطة التي طبقت عدة مرات وآتت أكلها لهم، وهي خطة كسينجر (الاحتواء المزدوج)، فالروس لا يمكنهم استخدام الأسلحة الأعتى، بل سيحافظون على وتيرة الحرب المحدودة، وباستخدام الأسلحة التقليدية، آملين بسياسة التقدم البطيء وتهجير المدنيين لإغراق الغرب بهم، أن ترضخ الحكومة الأوكرانية وتقدم ضمانات لعدم انضمامها الى حلف الناتو والتخلي عن استعادة شبه جزيرة القرم، وهذا يمثل أعلى طموحاتهم.
لكنه على الأغلب لن تجري الرياح وفقا لما تشتهيه سفن الروس، فالغرب لن يتركها تجري رخاء، فسيظل يزود الأوكرانيين بالسلاح لإطالة أمر الحرب لتتحول الى عبثية لا غالب فيها، بل الطرفان خاسران لأنهما مستنزفان، مثل سائر الحروب التي صنعتها الامبريالية (الغربية والشرقية) خارج ديارهم.
كما سيستغلها الغرب للجم طموحات الروس بالعودة قوة عظمى، فالعقوبات الاقتصادية القاسية، ستظهر نتائجها المنهكة خلال ستة شهور، وإن دامت لأكثر من سنة فستكون آثارها المدمرة كافية لعودة الروس والاكتفاء من الغنيمة بالإياب.
لقد كشف هذا الصراع، حقيقة كان علمانيو العرب يحاولون إخفاءها، وهي مدى زيف التمدن والتحضر الذي يتقنع به الغرب، فهم متعالون على غيرهم من الأمم، متعصبون للعرق الأبيض، وكشفت تصريحات قادتهم وإعلامييهم كراهيتهم المسلمين، في قولهم أن ذوي البشرة الشقراء والعيون الزرق لا يجوز للروس تهجيرهم أو قصفهم، بل قصفهم وحممهم يجب أن لا تنصب إلا على المسلمين فقط.
نحن كأمة ليس لنا في هذا الصراع ناقة ولا جمل، لكننا لا نشمت ولا نقول: (فخّار يكسّر بعضه)، فالمسلم يحب لغيره ما يحبه لنفسه، لذا ندعو الله أن يجنب كل البشر بلا تفرقة ما عانيناه وما زلنا، من الأشرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى