وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

وأخيرا جاء الرد الإيراني على سلسلة متتالية من الإهانات الإذلالية من قبل عدو الأمة، فرحت الأمة جميعها وهي ترى الصواريخ تنهال على الكيان اللقيط، في حالة فريدة لم تشهدها هذه الأمة المنكوبة بقياداتها المتخاذلة التي لم ترد يوما على أي من اعتداءات استفزازات هذا العدو المتغطرس عليها.
لا شك أن كل من تجري في دمائه النخوة والولاء لهذه الأمة، انتابته النشوة، وتسمر أمام الشاشات وهو يتابع أضواء الصواريخ المتساقطة في الأرض المحتلة، قلة قليلة من هذه الأمة غلبت عليهم شقوتهم، إذ ألقوا بالسلم للعدو، ووقفوا معه ليذودوا عنه، تقربا وتزلفا الى آلهتهم التي عبدوها من دون الله، هم من خالفوا السواد الأعظم من الأمة، فقلقوا أشد القلق من نجاح الصواريخ الإيرانية في تجاوز كل خطوط الدفاع، سواء تلك التي يديرها الغرب من قواعد في الدول العربية المحيطة بالأرض المحتلة، أو تلك المقامة فيها، فرأينا تلك التتقنيات الهائلة التقدم التي كرسها الغرب لحماية كيانه اللقاء، تتهاوى من غير ان تحقق الأمان المرجو، فتخترقها لتصيب ما وجهت أليه، وتوقع فيما سقطت عليه الدمار.
أهم ما سينتج عن هذه الموقعة عدا عن شفاء صدور المؤمنين، تغيرا هاما في المعادلة التي فرضها عجز النظام العربي مقابل العربدة الغربية، وأهم هذه المتغيرات:
1 – سوف تخفت انتقادات بعض العربان لإيران، والتي كانت تؤججها الأنظمة العربية المطبعة المنبطحة، بهدف تبرير موالاة العدو على إيران، كون محالفة عدو على مسلم محرم شرعيا حرمة قطعية ولا بأية ذريعة، لذلك ظلت تسعى لتأجيج الخلافات الطائفية، وتستحضر أفعال المتطرفين الشيعة لتبرير عدائهم للشيعة، وتقديم العداء لهم على العداء للعدو الحقيقي.
بطبيعة الحال لا يوجد في منهج الله أي نص يجيز محاربة طائفة خارجة عليه، الحالة الوحيدة التي تجيز ذلك محددة بحالة بغي طائفة على أخرى قتالا وليس خلافا، وموقوتة بوقف ذلك البغي، وبعده يجب وقف القتال ومصالحة الطرفين وليس اتخاذ أحدهما عدوا: “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا..”، فالعدو لا يمكن أن يكون في أية حالة إلا من خارج المسلمين، ومبرر العداء له عدوانه على ديار المسلمين وليس كفره.
ومع كل هذا الوضوح في تحديد العلاقات بين الطوائف الإسلامية المتعارضة، إلا أن كثيرين من الطرفين السنّة والشيعة، انجروا الى الى مؤامرة تأجيج الخلاف بهدف شق الأمة وإضعافها، وأغلبهم بسطاء يعتقدون أن إيمانهم يأمرهم بذلك، ولم يفطنوا الى المؤامرة، التي شارك بها ثلاثة أطراف: الشعوبيون من المعتزين بقوميتهم وبأمجادها الدارسة، والذين ساءهم اضمحلال قوميتهم وذوبانها في الأمة، ولا يجدون وسيلة إلا عزلها عن الأمة لإحياء هذه النعرة من جديد، والثاني هم الغرب الذي سعى تاريخيا الى هزيمة الأمة، وأفضل سلاح هو شقها عن عقيدتها، فشجع التعصب الطائفي، والطرف الثالث هو الأنظمة العربية المغلوبة على أمرها ولا تملك الا الانصياع للغرب ولي أمرها، فعملت بجد واجتهاد لتنفيذ املاءته، واصطنعت من بين شعوبها التي هي سنية بأغلبيتها، متشددين متطرفين خوفتهم من أن نية إيران نشر التشيع، فبات هاجسهم الرئيس محاربة الشيعة ودحض أفكارهم.
2 – من الناحية العسكرية، وبغض النظر عن فاعلية هذه الهجمة الصاروخية، ومدى دقتها وحجم الدمار الذي أحدثته، فقد كانت صدمة صاعقة لقاطني هذا الكيان وحاكميه وللغرب الداعمين، فقد سقطت مقولة أن هذا الكيان مسيج بحمايات متعددة الطبقات، لأجل أعطاء الأمان لقطعان المستوطنين الجبانة أصلا وتكوينا، فلا يبقيها على هذه الأرض التي سلبوها إلا اطمئنانهم وحفظ أمانهم، لذلك فأن تكررت هذه الضربات، فستكون حقا بداية نهاية هذا الكيان المصطنع.
3 – قريبا جدا سيتبين صدق نية القيادة الإيرانية في الانتصار لهيبتها التي تآكلت، بسبب ضبط النفس (وهي تسمية مهذبة للإنهزامية) الذي تحلت به بعد سلسلة من الهجمات الموجعة لمصالحها وأتباعها، فإن ردت على العدوان المرتقب عليها بهجمة صاروخية أعنف، فهي صادقة وسيحسب لها ألف حساب قادما، وان سكتت على ما سيصيبها فذلك يعني نهاية المطاف، وستتحول بعدها الى دولة هامشية لا يؤبه لها مثلها مثل الدول العربية.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى