وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

وأخيرا جاء الرد الإيراني على استهداف سفارتها في دمشق، وبصورة مطابقة للتوقعات، أي بالمعنى الاستراتيجي ضمن الخطوط المرسومة، فلم تتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها أمريكا، والتي هي تحديد استهداف الصواريخ بعيدة المدى بالمنشآت العسكرية، وذلك حتى يمكن إخفاء الخسائر المتوقعة، بالقول إن الهجوم لم يحقق أهدافه، والخروج بتيجة تحمي ماء وجه القيادة الايرانية بأنها أخيرا ردت على العدوان بالمثل، بعد أن مل الناس من تكرار عبارة (الاحتفاظ بحق الرد) من غير رد حقيقي، وفي الوقت نفسه يتكرس عمليا مفهوم عبثية محاولة استهداف الكيان اللقيط لأن الغرب لن يسمح بمهاجمته، وذلك لتبرير انبطاح الأنظمة العربية واستسلامها المتمثل بالتطبيع المخزي مع العدو.
لو عدنا قليلا الى الوراء، سنجد أن استهداف السفارة في دمشق عمل مقصود، وليس خارج علم أمريكا كما ادعت كذبا، فهي تعلن أنها شرطي العالم وحارسة القوانين والأعراف الدولية، فلا يمكنها أن تعترف بأنها تخالفها.
ويثبت ذلك الدقة العالية في إصابة المكان المستهدف وفاعلية التدمير الذي لحق به، ولا يمكن ذلك لصاروخ أرض – أرض إلا إن تم توجيهه عبر شبكة الأقمار الصناعية الأمريكية.
لذا فهذا العدوان الذي سارع الكيان اللقيط الى اعلان مسؤوليته عن (بعكس المعتاد!)، تفسيره أن أمريكا كانت بحاجة الى إعادة تضامن الشعوب الغربية مع رأس حربتها (الكيان اللقيط)، والذي بنته افتراء على رواية المظلومية الهزيلة إثر هجوم السابع من تشرين، فقد انكشفت أكاذيبه وتبينت وحشية هذا الكيان الاحتلالي، بعد جرائمه المتواصلة ضد المدنيين العزل والتي لم تسلم منها الهيئات الدولية ولا المستشفيات، وقد استنزف طول أمدها كل التعاطف الذي صنعه الإعلام المضلل، الذي تمكن من خداع أغلب هذه الشعوب طويلا، لكنه لم يمكنه خداعها الى الأبد، وبدأت النفوس الباحثة عن الحقيقة تصل إليها، وتزايدت الأصوات الناقمة على الظلم، والساخطة على حكوماتها بسبب مواقفها المنافقة، لذلك وجدت أمريكا أنه من الضروري صنع حدث يعيد ترميم قصة مظلومية اليهود التي عششت في عقول الأوروبين، فكان اختيار استهداف السفارة الذي لا يشكل أية مكسب عسكري في الصراع ذي قيمة استراتيجية، لكنه استفزاز لإيران لإجبارها على الرد بعمل عسكري.
كان رهان أمريكا على نجاح خطتها مرتكزا على حاجة القيادة الإيرانية لعمل ما يعطيها المصداقية أمام شعبها والشعوب العربية، ولإغرائها به قدمت إيحاءات بأنها تتقبل عملا محدودا شريطة أن لا يستهدف منشآت مدنية، كونه إذذاك سيرعب المستوطنين ويدفعهم الى هجرة معاكسة، ولا يمكن اخفاء الخسائر إن حصلت.
ولأجل ذلك أوحت الى أتباعها الأوروبيين بالتواصل الدبلوماسي مع إيران لدفعها لذلك الإجراء المحسوب، فرأيناهم يتناوبون على حثها على ضبط النفس، الذي يعني تطبيقيا بلع الصفعة وعدم الرد، لكنه يؤدي فعليا الى إثارة المصفوع ودفعه الى الانتصار لكرامته.
كما سمعنا ومنذ أسبوع ترويجا عالميا لفكرة أن الرد الإيراني سيقتصر على إطلاق صواريخ ومسيرات، وانه لن يتأخر عن يوم السبت، فأصبح الكل ينتظره وما بقي من خيار أمام القيادة الإيرانية ألا اختيار التوقيت، لذلك أجلته يوما واحدا عن التاريخ المضروب.
هذا بتقديري تحليل ما حدث، ويظهر منه أن جميع الأطراف خرجت رابحة، الخاسر الوحيد من كل حدث كالعادة، هو الأنظمة العربية، فحجتها أنها بإتاحة أجوائها للطائرات الأمريكية تهدف لحماية مواطنيها باطلة، كون اعتراضها من قبل الطائرات هو ما يعرضهم للخطر، كما أن (جرأة) إيران على استهداف العدو، تكشف عجزهم وتخاذلهم وهم الأقرب له، وبالتالي الأكثر قدرة على اختراق دفاعاته.
ويبقى الآن استقراء ما سيحدث، والأمر متوقف على مدى ما ستحدثه من تغيير لصالح ترميم التعاطف مع الكيان أوروبيا، على المستوى الشعبي، والذي سيريح مستوى أصحاب القرار في المضي في الدعم اللامحدود لعدوان الكيان.
لكن مهما مكر شياطين الإنس، ومهما أبدعوا وطغوا فإن الله بهم محيط، ولا مبطل لكلماته ولا مبدل لها، وكل مكر أعدائه يبور، بل يبدل النتائج الى غير ما يريدون.
فهذه العملية على تواضعها، تعتبر أول محاولة رد على عدوانات عديدة، وأول استهداف للكيان بعد صواريخ صدام، لذلك ستحيي الأمل بالتحرير، والذي حاول المطبعون إماتته في الأمة.
لذا سيكون لها ما بعدها بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى