هل يسير الإصلاح التربوي في الطريق الصحيح؟!

هل يسير #الإصلاح_التربوي في الطريق الصحيح؟!

بقلم: د. #ذوقان_عبيدات

       إن البدء بالتوجيهي وإصلاحه  لم يكن كما قلت في ذهن د. أبوقديس، بل كان جزءا من برنامج متكامل ما زلت آمل أن وزارة التربية ستسير عليه، لكن ربط إصلاح التعليم بالتوجيهي هو أمر قد لا يقود إلا إلى المزيد من التلقين، والجمود وسيطرة الامتحانيين الجدد، وثبات التعليم إن لم يكن تراجعه!

        لدى الجميع إحساس بتراجع التعليم، وفي مقدمتهم الملك، والمواطنون المهتمون. فدلائل”خراب” التعليم متعددة، ولا يجوز إنكارها، ولكن هل سيصلّح التوجيهي “أبو سنتين” التعليم؟ وهل يصلّح تشعيب الطلبة بدءا من التاسع ما أفسده التعليم؟

لعلّ المطلوب :

الانتقال من إصلاح التوجيهي، إلى إصلاح التعليم حيث يصبح التوجيهي متغيّرًا تابعًا للتعليم وليس قائدًا له!

وإصلاح التعليم معروف:

1- رؤية تربوية وطنية حداثية تنتج عن اتفاق وطني يحرر التعليم من رواسب معيقة تقودها ثقافة لا تؤمن إلّا بالماضي وبالصحوة واليقظة، وترفض النهضة والمستقبل والتقدم.

2- إرادة رسمية؛ لصعوبة توافر الإرادة المجتمعية، بسبب اختطافها من الفكر التقليدي غير الحداثي. وهذا يتطلب جرأة  غير متوافرة لدى مسؤولينا.

3- معلم متعلم مثقف متقدّم  مؤهل تربويّا واقتصاديّا واجتماعيا – وهذا إن لم تتوافر إرادة رسمية قوية – سيحتاج توافره إلى أعوام غير قليلة.

4- قيادة تربوية تؤمن بالتفكير والعلم وسيلة للتقدم، بعيدًا عن الحسابات، والأرباح والخسائر، وما عهدناه سابقا هو غياب هذه القيادة! فما مرَّ علينا هي قيادات التسكين، ودعِ الفتنة نائمة، والمهم العودة السالمة، أو القفز إلى حيث الكبار.

5- المناهج الحديثة، ونحن ما زلنا في بدايتها، لدينا فلسفة مناهج متطورة جدّا، فشلنا في تحويلها إلى كتب غير معلوماتية أو تلقينية، وسردية.

وقلت: وجّهتنا كتب الرياضيات بعيدًا عن المهارات الحياتية، وبعيدًا عن المستقبل حيث كانت جميع المسائل تتحدث عن الماضي، مع إنكار المستقبل. ووجّهتنا كتب العلوم إلى لغة غير علمية، وإلى معلومات لا حياة فيها. المطلوب تطبيق الإطار العام فقط، وعدم الإصرار على إهماله.

6- التدريس الصفي؛ وهذا شيء يطول، فلا قيمة لأي إجراء لا يدخل عبر نوافذ الصف!!

  أرى أن فرص التطوير متوافرة، والمطلوب إرادة التطوير!!

(1)

إصلاح التوجيهي: هل يصلح التعليم!؟

       قلت ذات يوم وقبل  ثلاث سنوات: إن معالي الدكتور عزمي محافظة كان مؤهّلًا لإصلاح التعليم، ولكن سيول البحر الميت جرفته! كان د. عزمي في ذلك الوقت يتمتع بالنقاء التربوي، والحماسة، والبُعد عن الحسابات السياسية!! وحين استلم معالي د. محمد أبو قديس، كان لديه مشروع متكامل في إصلاح التعليم، وكان مشروعه في اتجاهين أو ثلاثة على الأصح:

– إصلاح التعليم والتدريس الصفي.

– إصلاح التوجيهي.

– إصلاح الإدارة التربوية وثقافتها.

       كنت واثقًا من برنامجه، وحدثني فيه. وقد شكّل لجنةً لإصلاح التوجيهي، وبدأ الخطوات الأولى لإصلاح محتوى التعليم، والإدارة، لكن الوقت لم يسعفه، وربما بسبب مشروعه تمّ إبعاده عن الموضوع برمّته، فإصلاح الإدارة التربوية لم يكن أولوية عند أصحاب النفوذ والقرار.

ولذلك أقول بأمانة وبمعلومات: لم يكن إصلاح التوجيهي هدفًا منفصلًا عند د. أبو قديس على الإطلاق، فهو كان يتحدث عن أن التوجيهي قيْدٌ على  تطوير التعليم! وليس أولويةً.

  تعطل إصلاح التوجيهي عند معالي د. وجيه عويس لصالح مشروعه الأكبر وهو: استراتيجية تنمية الموارد البشرية، وهو بكل موضوعية مشروع متكامل! وبالأسلوب الأردني – ما غيره – تم إبعاد عويس فتعطلت استراتيجيته!

 والآن عدنا إلى معالي د. عزمي؛ وهو بالتأكيد يحمل أعباء إصلاح التوجيهي بوصفه رئيسًا للجنة، فانتعشت آمال التوجيهي ثانية:

فهل سيبدو أنه حامل لواء إصلاح التوجيهي، أم إصلاح التعليم؟

هنا  تقبع كل التحديات:

معالي د. عزمي  بعد العودة ليس كما قبلها، وفي السنوات السابقة عرف الكثير عن العمل  التربوي والحكومي:

  • عرف معنى الظلم، والإبعاد حتى عن لجان الكورونا، وعرف الجلوس على مقاعد المتفرجين، وعرف أساليب العمل  الإداري التربوي. وبكل موضوعية أقول: نضج تربويّا، فقد تعلم الكثير من رئاسته للمجلس الأعلى للمناهج.
  • عرف ميدانًا بِكْرًا، وعرف خبراء حقيقيِّين، وغير حقيقيين، كما برع في السياسات بنوعيها: الإيجابي وسواه. إذن: عاد د .عزمي مُدجّجًا بخبرات لم تتوافر لديه في وزارته الأولى! فما يُطلب منه الآن، وما يُتوقّع منه أكثر بكثير ممّا سبق؟

(2)

( مغالطات في الأولويات)

       يعتقد الامتحانيون الجدد أنّ إصلاح الامتحانات هو الطريق لإصلاح التعليم، وهذا كلام في ظاهره قد يكون شبه معقول، بمعنى أننا إذا أصلحنا الامتحانات، وجعلناها تقيس عمق التعليم، وأهداف التعلبم، وطوّرنا الأسئلة لتقيس التفكير والشخصية، سيضطر المعلمون إلى تعديل تدريسهم، ونحن هنا نقلب السبب نتيجة والنتيجة سببُا، أو كما يُقال: وضعنا العربة خلف الحصان لتجرَّه إلى الخلف! ولذلك فإن إصلاح التوجيهي وحده هو إعاقة لإصلاح التعليم! فالمطلوب هو أن يأتيَ إصلاح الإدارة، وإصلاح أوضاع  الطلبة، وأوضاع المعلم وحقوقه سابقة لإصلاح الامتحان، فالامتحان يقيس أهداف التعليم والتعلم!

(3)

(التوجيهي: هل هو امتحان قبول؟)

       من الواضح غياب هوية للتوجيهي، فهناك اتفاق بحكم القانون أنه يعقد بعد نجاح الطلبة واستكمالهم الدراسة الثانوية، ولذلك لا علاقة له بالمدرسة مع تناقض رهيب أنه امتحان في مناهج المدرسة، فالطالب نجح في المدرسة، وقدّم امتحاناته في جميع موادها، ونجح وحصل على شهادة نجاح! فما معنى أن يمتحن فيها مرة أخرى؟

       فمن حيث المبدأ يكون  الامتحان في أي مادة عبثًا تربويّا مارسه الامتحانيون الكلاسيكيون والامتحانيون الجدد على حدٍّ سواء!. والمنطق يقول: ابحثوا عن امتحان في غير مواد المدرسة إن كنتم  تستطيعون إلى ذلك سبيلًا!

       طبعًا الحل سهل جدّا وهو في امتحان يقيس ما تعلمه الطلبة من مهارات حياتية، ومنها مهارات معرفية غير مؤطّرة بمواد دراسية معينة!! ومواد ومهارات مستقبلية. ومن ناحية أخرى يقولون لنا: التوجيهي امتحان قبول للجامعة، ولا علاقة له بالماضي!! وإذا كان ذلك كذلك، فهذا يعني أن كل من نجح في التوجيهي يجب أن يُقبَلَ في الجامعة! فهل يَقبل صقور الجامعات، والامتحانيون الجدد هذا المنطق؟

   إن الامتحانيين الجدد  يعترفون بأن التوجيهي ليس متنبئًا جيدًا للنجاح في الجامعة! إذن: يحق لأي شخص أن يسأل سوءالين:

  • ما دام التوجيهي لا يتنبأ بنجاح الجامعة، فلماذا تُصرّون عليه؟
  • وإذا كان التوجيهي امتحان قبول  مستقبليّا، فلماذا  لا تمتحنون الطلبة في مواد مستقبلية، بدلًا من مواد درسها الطلبة في مدارسهم ونجحوا فيها؟

المطلوب: لا يحق لأحد أن يدّعيَ بأي جدارة لامتحان التوجيهي إلّا بعجز الجامعات عن تدبير أمورها!! وبالمناسبة إن عجز الجامعات هو عجز مكتسب وليس حقيقيّا، والعجز المكتسب  لمن لا يعرفه هو  تكرار اتهام طفل بأنه فاشل، فصدّق التهمة وصار يتصرف تصرّف فاشِلٍ!! وهكذا اتهمنا الجامعات بالفشل، وصدّقت التهمة واعترفت بها!

(4)

(ما مشكلة التوجيهي؟)

       حين شكّل د. أبو قديس لجنة لإصلاح التوجيهي، كان بذهنه أنه يبحث عن توجيهي جديد يحل معضلات التوجيهي الحالية وهي:

1- إنه امتحان غير عادل.

2- إنه يقيس ما لا قيمة له من معلومات يسهل قياسها؛ بدلًا من قياس ما يجب قياسه من قدرات ومهارات وأساليب مواجهة المشكلات، وغيرها من أهداف التعليم.

3- إنه امتحان يثير القلق والرعب، وربما الإرهاب ما يستنفد قدرات المجتمع النفسية والاجتماعية، والاقتصادية.

       فهل عملت لجنة التوجيهي وفق هذه التوجهات؟  بصراحة إن هذه التوجهات تحتاج إلى تربويين ومفكرين وقادة مجتمع، ومع الأسف هذه مواصفات لا تنطبق على كثيرين، فاللجنة ضمّت بعض وزراء لم يفعلوا شيئًا مهمًّا في عهودهم، وعدد من الامتحانيين الذين يتقنون الكلام عن الحوكمة وبنوك الأسئلة التي تحدثت عنها الوزارة قبل خمسين عامًا، ومواصفات السؤال الجيد بما يعني أن الأسئلة موضوعية!!! كما ضمت من  كان إسهامهم  الاجتماعي والتربوي محدودًا، فما المتوقع من هكذا لجنة؟

   لن أتحدث عما دار في اللجنة ومَن اختطفها، لكن أسأل:

  • هل قدمت اللجنة ما يجعل التوجيهي عادلًا ومتنبئًا وقادرا على قياس أهداف التربية؟
  • هل حصل أبناء المناطق النائية على فرص تكافيء ما يتنعم به أبناء المناطق المحظوظة ؟َ
  • هل نظام السنتين يراعي بين الطلبة من فروق سوسيو اقتصادية؟ وهل  سيقيس توجيهي “أبو سنتين” ما لا يقيسه توجيهي أبو فصلين؟
  • وهل سيقل توتر المجتمع، أم يمتد سنةً إضافية؟ وهل سيحل بنك الأسئلة مشكلة قياس ما يجب أن يقاس؟؟

وعلى رأي شاعر العروبة اليمني عبد العزيز المقالح:

حاولت أن لا أرتدي يأسي،

وأبدو مطمئِنّا،

قد يتركون مساحة لأمل!

ملاحظة:

يبدو أنّ قطر انشغلت بتنظيم المونديال ونسيت إعداد فريقها!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى