« أخطاء التعيينات العليا » تتكرر وتقلق الجميع في الأردن

سواليف

يبدو أن المسألة تجاوزت الأخطاء البيروقراطية الاعتيادية ووصلت إلى مستوى «الاجتهادات الإدارية المعيبة»، هذا ما قاله رئيس وزراء سابق في الأردن أمام القدس العربي.
النخبة الأردنية ومع مساء يوم الخميس سهرت حتى الفجر وهي تستغرب ما حصل في اليوم نفسه عند تشكيل مجلس المحكمة الدستورية العليا وهي هيئة قضائية دستورية رفيعة يتم التفاخر بها بالعادة بإعتبارها من منجزات الإصلاح في مرحلة الربيع العربي.
صدرت إرادة ملكية بناء على تنسيب الجهات المختصة بتركيبة أعضاء المحكمة الدستورية العليا.. بعد ساعات فقط تبين أن عضو المحكمة الجديد الدكتور جورج حزبون وهو مرجع قانوني مهم يحمل جنسية أجنبية وبالتالي لا يحق له بالنص ان يكون عضواً في هذا الطاقم الدستوري. طبعاً عولجت المسألة بسرعة وفي غضون ساعات فقط وقدم الرجل استقالته بالتوازي مع اختيار بديل له وفوراً.
لم تكن تلك حالة يتيمة مؤخرا فقد ثارت ضجة واسعة النطاق في الرأي العام في حادث مشابه حيث إستقال وزير النقل الأسبق مالك حداد بعد 24 ساعة فقط من تعيينه بالحكومة الجديدة بعدما تبين وجود «قيد أمني وجرمي» قديم مسجل بحقه عام 1982 وبسبب جريمة عائلية لها ظروفها .
حصلت حوادث أقل أهمية عند إختيار أعضاء مجلس الأعيان الأخير عندما اضطر أحد الأعيان لتقديم استقالته من منصبه كقنصل فخري لدولة أجنبية بعد ساعات من تعيينه عضواً في الأعيان إنفاذاً للقانون الذي يمنعه من الاحتفاظ بالموقعين.
في المسار نفسه وبدون أخطاء ذات طابع دستوري أو قانوني أثير الجدل حول طريقة اختيار عدد من أعضاء مجلس الأعيان الأخير حيث غابت عشائر ومناطق مهمة عن التمثيل وتم إقصاء شخصيات ثقيلة لصالح جيل جديد تحت عنوان «تبديل الوجوه».
مثلاً لا تبدو أركان عائلة المجالي السياسية مرتاحة لاختيار كريمة الدكتور عبد السلام المجالي حصرياً ممثلة لها في مجلس الأعيان حيث يوجد ما لا يقل عن 40 شخصية من هذه العائلة فقط مؤهلة ببساطة وتنطبق عليها المعايير الخاصة بمجلس الأعيان.
حتى ان الدكتور عبد السلام المجالي نفسه لا يبدو مرتاحاً لاختيار ابنته في مجلس الأعيان بدلاً منه أو من أعمامها الكثر بدليل أنه وجه ملاحظتين نقديتين في المشهد العام في اجتماعات مغلقة في مجلس الشؤون الدولية الذي يضم متقاعدون يبددون ضجرهم بالحديث عن السياسة.
في تركيبة مجلس الأعيان أيضاً يبدو ان معيار النص الذي يقول «..ومن ماثلهم في المجتمع» لم يطبق بمهارة ومهنية وموضوعية وتلك بإجماع طبقة رجال الدولة مسؤولية الطاقم الإستشاري والتنفيذي العامل في الديوان الملكي. تكرار مثل هذه الأخطاء بدأ يثير «جلبة» كبيرة على الصعيد النخبوي في أروقة طبقة رجال الدولة.
الجميع يسأل: ما الذي يحصل في الإدارة العليا في البلاد؟
مسؤولية عدم حصول أخطاء في إصدار «إرادات ملكية» تحديداً تقع ضمن اختصاص ومسؤولية الطاقم العامل في الديوان الملكي برئاسة الدكتور فايز طراونة والجهات التي تتولى التنسيب ولا علاقة للقصر نفسه بها.
الإشارة لم تعد سرية او تهامسية لثلاثة موظفين آخرين يمكن اعتبار التدقيق خصوصاً في التعيينات التي تتطلب إرادة ملكية في صلب مهامهم وعلى رأسهم مدير مكتب الملك الدكتور جعفر حسان وإدارة التشريفات الملكية والإدارة المختصة بمتابعة الشؤون المحلية والتنسيق والتي يتولاها منار الدباس.
مسؤولية مكتب رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي ولاحقاً المؤسسات الأمنية لا يمكن ترسيمها في هذا السياق حيث تتكاثر الأخطاء المزعجة من هذا النوع وحيث تقلصت إلى حد بعيد صلاحيات رئيس الحكومة بالتنسيب بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.
وهي في المحصلة ليست أخطاء جسيمة لكنها بروتوكولية وقانونية وتمس نظام العرف والتقليد السائد منذ تأسيس المملكة والأهم انها بدأت تقلق الطبقة السياسية وتثير التساؤلات وسط الرأي العام وتمنح المعارضين والمناكفين وهم كثر «مادة دسمة».
وعليه يطرح الجميع فنياً ومهنياً السؤال بقوة حول الأسباب التي تدفع باتجاه تكرار مثل هذه الاجتهادات غير المعتادة في بلد تآلف مع التقاليد الدستورية.
يمكن هنا ملاحظة أن تعيين مراسل صغير في أي جهاز إداري أو تصريح خادمة أجنبية أو إصدار جواز سفر يحتاج لأسابيع من الفلترة الأمنية والبيروقراطية خلافاً لما حصل فعلاً في بعض المناصب العليا مؤخراً.
الأسباب يبدو حسب الخبراء أنها تعود لثلاثة عوامل: ميول بعض الموظفين لاعتبارات وأهواء شخصية في التنسيب والاختيار. وضعف عمل «الفلاتر» البيروقراطية التي كانت تتميز بالإلتقاط والتدقيق مع فوضى التعيينات.
وثالثاً غياب وإقصاء الخبراء المعنيون بموقع «الأمين العام» للمؤسسات المركزية لصالح موظفين جدد بلا خبر فطبقة «الأمناء العامون» كانت دوماً بوابة الحراسة الأساسية والمركزية في الأردن لتجنب الأخطاء البيروقراطية.

بسام بدارين – القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى